أنامل المرممين عودة الشواهد إلى الحياة في مقابر الخالدين

بأنامل خبيرة وصبرٍ علمي دقيق، أعاد المرممون الحياة إلى شواهد وتراكيب جنائزية كادت أن تضيع مع تقادم الزمن وتغير العمران. لم تكن مهمتهم مجرد نقل أحجار من موضع إلى آخر، بل كانت عملية إنقاذ لذاكرة وطن، بدأت بتوثيق كل شاهد وكل زخرفة، مرورًا بفك العناصر المعمارية قطعةً قطعة، ثم ترميمها وإعادة تركيبها وفق أسس علمية تحافظ على أصالتها وقيمتها التاريخية.
ومن هذا الجهد للمرممين و المتقن وُلدت مقابر «تحيا مصر للخالدين» بمنطقة عين الصيرة، بجوار المتحف القومي للحضارة المصرية، فقد خُصصت هذه المقابر لإعادة دفن رفات الشخصيات التاريخية التي أثرت في حياة الوطن، عندما تعارضت مواقع دفنها الأصلية مع خطط التطوير، مع الحفاظ على الشواهد والتراكيب المعمارية ذات الطرز المتميزة بوصفها وثائق حجرية تحكي تاريخ أصحابها وعصورهم.
وقد شرفت هذه المقابر باحتضان رفات الشاعر الكبير أحمد بك شوقي، أمير الشعراء، إلى جانب التراكيب المعمارية الخاصة بمقبرته، والتي خضعت لأعمال ترميم دقيقة أعادت إليها ملامحها الأصلية وروحها الفنية. ووُضعت هذه التراكيب في موضع يليق بمكانة شوقي الأدبية والتاريخية، لتظل شاهدًا حيًا على أحد أبرز رموز النهضة الأدبية الحديثة في مصر.
إن الجهود التي بذلها المرممون في هذا المشروع لا تمثل عملًا فنيًا فحسب، بل تعكس وعيًا حضاريًا بقيمة الشاهد الجنائزي بوصفه جزءًا من التاريخ العمراني والثقافي لمصر. فمقابر «تحيا مصر للخالدين» ليست مجرد مكان للدفن، بل مساحة لاستعادة الذاكرة، تؤكد أن حماية التراث يمكن أن تسير جنبًا إلى جنب مع التطوير، وأن الشواهد حين تُحترم وتُصان، تعود لتحيا من جديد وتحكي قصتها للأجيال القادمة.

