أنباء اليوم
 أنباء اليوم

المنشاوي باشا المحسن العظيم الذي خلّد اسمه بالعطاء في ذكري وفاته

تامر المنشاوي -

في ذكري يوم العشرين من ديسمبر عام 1904م، الموافق السابع من رمضان سنة 1322هـ، توفي أحد أعظم رموز البر والإحسان في تاريخ مصر الحديث، المنشاوي باشا، ذلك الاسم الذي ارتبط بالعطاء الصادق والعمل الخيري الواسع، حتى أصبح نموذجًا نادرًا لرجل جعل من ثروته رسالة إنسانية ومن مكانته الاجتماعية وسيلة لخدمة الفقراء والمحتاجين.

كان المنشاوي باشا من كبار أعيان إقليم الغربية، وقد قُدِّرت ثروته بنحو مليوني جنيه، وهو رقم هائل في زمنه، غير أن قيمته الحقيقية لم تكن فيما امتلك، بل فيما أنفقه في سبيل الخير والإصلاح. فقد عُرف عنه أنه من أكثر المصريين إنفاقًا على المشروعات الخيرية في مطلع القرن العشرين، حيث أوقف نحو ألف فدان لأعمال البر، ولا تزال آثار هذا الوقف شاهدة حتى اليوم على رؤيته العميقة لمعنى التكافل الاجتماعي ودور الوقف في بناء المجتمع.

ولم يتوقف عطاؤه عند هذا الحد، إذ اشترى أحمد باشا المنشاوي في عامي 1898 و1900 نحو أربعة آلاف فدان، ثم أوقفها جميعًا عام 1903 للفقراء وأوجه الخير المختلفة، كما كان رأس حملة التبرعات لإنشاء خط سكة حديد الحجاز سنة 1900، ذلك المشروع التاريخي الذي خُصص لخدمة حجاج بيت الله الحرام وتيسير رحلتهم، في تعبير واضح عن وعيه بقضايا الأمة الإسلامية واحتياجاتها.

وفي مدينة طنطا، ترك المنشاوي باشا بصمات إنسانية خالدة، كان من أبرزها التكية التي أنشأها ووقفها، وجعلها ــ كما ورد في نص حجة الوقف ــ مأوى للعواجز واليتامى، ومساكن لأبناء السبيل والمسافرين، لا سيما القادمين من بلاد الترك والمغرب في طريقهم إلى أداء فريضة الحج، وهو ما يعكس روح العصر الذي كانت فيه التكايا والوقوف مؤسسات اجتماعية تقوم بدور محوري في رعاية المحتاجين.

وقد حظي المنشاوي باشا بتقدير كبار علماء ومفكري عصره، حيث قال فيه العلامة محمد رشيد رضا إن فضله وإحسانه قد طوّق الإسكندرية حتى استحق أن يُلقب بـ«أبي الإسكندرية»، بل ورأى بعض الأدباء أنه جدير بأن يكون «أبا الوطن كله» لما قدمه من دعم للجمعيات الخيرية، وعلى رأسها الجمعية الخيرية الإسلامية العامة، داعين الله أن يلهم سائر أغنياء مصر أن يسيروا على نهجه.

وفي أواخر أيامه، كان المنشاوي باشا منشغلًا بحلم علمي كبير، إذ أعلن عن رغبته في إنشاء جامعة علمية في منطقة باسوس وأبي غيط على نفقته الخاصة، وبحث تفاصيل المشروع مع كبار العلماء، وفي مقدمتهم الإمام محمد عبده، من حيث النفقات الأولية والسنوية، واستقدام المعلمين والأدوات التعليمية، غير أن المنية سبقته قبل أن يرى هذا المشروع النور.

ويُذكر أن عددًا من المؤسسات التي أنشأها في طنطا، من مستشفى ومسجد ومعهد ديني وغيرها، قد تعرضت لاحقًا للتأميم، كما صودرت قصوره بشارع البحر، وحُوِّل أحدها إلى نادٍ لضباط الشرطة، إلا أن هذه التحولات لم تنجح في محو سيرته أو التقليل من قيمة عطائه في الذاكرة الوطنية.

إن ذكرى وفاة المنشاوي باشا ليست مجرد استعادة لاسم من الماضي، بل هي تذكير حي بقيمة إنسانية نبيلة، تؤكد أن الثروة الحقيقية تكمن فيما يتركه الإنسان من أثر طيب في حياة الناس، وأن العطاء الصادق هو الطريق الأبقى للخلود. رحم الله المنشاوي باشا، وجعل أعماله الخيرية نورًا له في الدنيا والآخرة، وجزاه عن مصر وأهلها خير الجزاء.