وفاة أحمد باشا المنشاوي 1904 رحيل المحسن الكبير الذي هزّ القطر المصري

في السابع من رمضان سنة 1322هـ الموافق يوم 20 ديسمبر عام 1904م، خرج أحمد باشا المنشاوي قاصدًا قناطر السنط ليبحر منها إلى مصر، وكانت تلك الرحلة آخر عهده ببلدته القرشية. قضى بقية الشهر الكريم متنقلًا بين مقر إقامته بالذهبية عند كوبري قصر النيل، وبين مزارعه بأطين باسوس وأبي الغيط، محاطًا بخاصته وأصدقائه. وكان طبيبه الخاص الدكتور إفرون يلازمه ويعوده يوميًا للاطمئنان على صحته.
وفي التاسع من شوال سنة 1322هـ، زاره الطبيب كعادته، فاستقبله أحمد باشا قائلًا: «يا جناب الدكتور باشا، إني اليوم أشعر بصحة لم أعهدها منذ ثلاثين عامًا، ولو بقيت على هذه الحال لما زارني طبيب قط». ثم أسرّ إلى صديقيه محمد أفندي مراد وإبراهيم أفندي الدمامي بأمنية طالما راودته، إذ قال لهما: «أتدريان أكبر أمنية في نفسي؟ أن أموت بغير مرض، حتى لا أرى عائدًا ولا زائرًا». وقد شاء الله أن تتحقق أمنيته.
بعد انصراف الطبيب، ركب أحمد باشا عربته، وتنقل بين أعيان العاصمة، فزار عددًا كبيرًا منهم، وكان أعجب ما في الأمر أنه زار أشخاصًا لم يكن يخطر بباله ولا ببال غيره أن يزورهم يومًا. ثم عاد إلى ذهبيته وقت الظهر، فتناول طعامه ونام قليلًا كعادته. وبعد أدائه صلاة العصر، دخل عليه أصحاب أطيان ناحية طنبدي بمديرية المنوفية، التي كان قد اشتراها في ذلك اليوم، فأتم عقد الشراء ووقّع عليه.
ومع غروب الشمس بقليل، ركب عربته قاصدًا استكمال زيارة أصدقائه، غير أنه لما بلغ الكوبري شعر بألم مفاجئ فأمر السائق بالعودة. وكان برفقته حلاقه الأرمني أنطوان. وعند وصوله إلى الذهبية نادى على الخدم، فأقبلوا إليه، وقال لهم: «إني أحس بألم في صدري». ثم دخل المنزل والخادم إلى جواره، وأُغلق الباب، وجلس أحمد باشا على كرسي أمامه.
هرع الخادم لفتح الباب ظنًا أن سيده سيقوم للدخول، لكنه لم يتحرك. اقترب منه فوجده بلا حراك، فصرخ مستغيثًا. على صراخ الخادم خرجت قرينة أحمد باشا، وما إن تحققت من الأمر حتى خرت مغشيًا عليها. وسارع بعض الخدم إلى صديقه محمد أفندي مراد، الذي قام من فوره قاصدًا الذهبية، حيث اجتمع عدد من الأطباء برئاسة الدكتور إفرون، وأجمعوا على وفاة أحمد باشا المنشاوي.
ما إن أُشيع الخبر حتى ارتجت العاصمة والبلاد، وتوالت برقيات ورسائل التعزية، وتوافد عظماء العاصمة وأعيان القطر إلى الذهبية.
بقي جثمان الفقيد في الذهبية حتى يوم العاشر من شوال وليله، وحدد موعد تشييع الجنازة في الساعة الحادية عشرة والنصف من يوم الحادي عشر من شوال سنة 1322هـ، حيث انتقلت الذهبية إلى أمام قصر الدوبارة تمهيدًا لنقل جثمان أحمد باشا المنشاوي إلى طنطا، في مشهد جنائزي مهيب يليق برجل ترك بصمته في تاريخ البر والإحسان والعمل الوطني.

