مجلس المشورة في عهد محمد علي نواة أول نظام شورى في مصر الحديثة

في سنة 1829 شهدت مصر مرحلة مهمة في تاريخها الإداري والسياسي مع تأسيس مجلس المشورة، المجلس الذي يُعد نواة لنظام شورى في عصر محمد علي باشا. فقد كانت المجالس الحكومية في ذلك العصر قبل هذا المجلس مجالس تنفيذية مؤلفة من كبار الموظفين دون تمثيل شعبي أو شبه نيابي، ولكن مجلس المشورة جاء ليجمع بين كبار موظفي الحكومة والعلماء وأعيان البلاد تحت رئاسة إبراهيم باشا ليشكل هيئة استشارية موسعة تمثل مختلف طبقات المجتمع المصري. تألف مجلس المشورة من 156 عضواً منهم 33 من كبار الموظفين والعلماء و24 من ماموري الأقاليم و99 من كبار أعيان القطر المصري، وقد انعقد المجلس لأول مرة يوم 3 ربيع الأول 1245 هجري الموافق 2 سبتمبر 1829 في قصر إبراهيم باشا بحضور جميع الأعضاء، وكان للمجلس سلطة استشارية فقط محدودة في مسائل الإدارة والتعليم والأشغال العامة، حيث قدم الأعضاء اقتراحاتهم بناءً على خبراتهم ومهاراتهم، كما نظر المجلس في الشكاوى المقدمة إليه. من بين كبار الأعضاء الذين شغلوا مناصب بارزة في الحكومة كان إبراهيم باشا رئيس المجلس، وعباس باشا، أحمد باشا، محمود بك، السيد البكري، الشيخ الأمير مفتي المالكية، والشيخ محمد المهدي مفتي الحنفية، إضافة إلى ماموري الأقاليم مثل خليل بك محافظ دمياط وحسين بك مامور زفتى ومحمد أغا مامور القليوبية وغيرهم، إلى جانب مشايخ وأعيان الأقاليم من مختلف المناطق بما فيها الجيزة والسنبلاوين والفيوم وطنطا والمحلة الكبرى وغيرها.
ومن بين هؤلاء الأعضاء البارزين جاء الشيخ أحمد المنشاوي الذي حمل لقب "شيخ" تقديراً لدراسته في الأزهر الشريف، وقد ورد ذكره في جريدة الوقائع المصرية كأحد أعضاء مجلس المشورة وهو شخصية مهمة ليس فقط لمكانته العلمية بل أيضًا لدوره الاجتماعي والديني، فقد ساهم الشيخ أحمد اغا المنشاوي في إنشاء جامع ومنارة في أشناوي كما ورد في الخطط التوفيقية لعلي باشا مبارك ودفن في مسجده باشناوي لتظل ذكراه متصلة بالمكان الذي خدمه طوال حياته.
ركز مجلس المشورة على قضايا التعليم والإدارة والأشغال العامة ومن أبرز قراراته إنشاء مكتب لتعليم كتبة الدواوين العربية والتركية وتعيين المعلمين لتعليمهم وإرسالهم للأقاليم، وتنظيم العمل بالسخرة لتوزيع الأعباء على الفلاحين بحسب المواسم الزراعية، وتشغيل الشباب الفقراء والمتسولين في مصانع الحكومة بعد تعليمهم الصناعات المختلفة لضمان توفير الخبرة وتقليل البطالة، ومراقبة الموظفين ومشايخ الأقاليم لمنع الرشوة وسلب أموال الأهالي وفرض العقوبات على المخالفين، ودراسة مشاريع النفع العام مثل بناء القناطر الخيرية بالتعاون مع خبراء ماليين. ورغم أهمية مجلس المشورة كأول نواة لنظام شورى في مصر إلا أن عمله لم يدم طويلاً، وبحسب الملاحظات التاريخية فقد كان المجلس مؤلفاً من مشايخ الأقاليم الذين كان المراد منهم أن يحلوا محل الترك في الحكم ولكنه لم يظهر له أثر واضح في معظم عهد محمد علي. ومجلس المشورة عام 1829 كان خطوة رائدة نحو المشاركة والاستشارة في شؤون الحكم، وجمع بين كبار الموظفين والعلماء وأعيان الأقاليم.

