ذكري وفاه إبراهيم بك الهلباوي اول نقيب للمحامين في مصر

تمر اليوم ذكرى وفاة إبراهيم بك الهلباوي، أول نقيب للمحامين في مصر، الرجل الذي جمع بين براعة المحاماة ووفاء الوطنية، وترك إرثًا خالدًا في تاريخ القانون والمحاماة المصرية، إذ توفي في 20 ديسمبر 1940.
وُلد الهلباوي في محافظة البحيرة عام 1858، ودرس علوم الشريعة على مذهب الإمام مالك على يد الشيخ رزق اليرقاني، كما تلقى علوم النحو والمنطق والبلاغة على يد كبار علماء عصره، من بينهم الشيخ الجيزاوي، المحلاوي، والانبابي. لاحقًا، توسع في دراسة المذهب الحنفي على يد الشيخ المفتي عبد الرحمن الرافعي، وهو ما أضاف إلى ثقافته القانونية عمقًا استثنائيًا.
بدأ الهلباوي مسيرته العملية في الصحافة، حيث عمل بجريدة الوقائع المصرية، قبل أن ينتقل إلى سلك المحاماة عام 1886، ويفتتح أول مكتب له بمدينة طنطا. وبفضل براعته وفصاحته، سرعان ما امتلأ مكتبه بالقضايا، وانتقل بعدها إلى القاهرة عام 1889، ليصبح واحدًا من أبرز المحامين في مصر.
تميز الهلباوي بأسلوبه الفريد في المرافعات، حيث مزج بين العربية الفصحى والعامية البسيطة، وتحرك برشاقة أمام المحاكم، مما يجبر الجميع على الاستماع إليه بإعجاب شديد. وقد وصفه بعض معاصريه بأنه "رجل عبقري"، محامٍ لا يُضاهى، جمع بين القوة القانونية والفصاحة في الكلمة.
كان الهلباوي أيضًا مدافعًا عن القضايا الوطنية، وحارب من أجل تعزيز حقوق المحامين وإقرار الحصانة لهم، حتى تحقق له ذلك بإنشاء نقابة المحامين عام 1912، وانتُخب كأول نقيب لها، ولقب بـ"شيخ المحامين" عرفانًا بجهوده الكبيرة. كما ساهم في تأسيس حزب الأحرار الدستوري، وشارك في وضع دستور مصر، وكان سندًا لزملائه المحامين في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم.
كما يُعرف عن الهلباوي سخاؤه الكبير، حيث خصص أربعين فدانًا من ماله لدعم نقابة المحامين، مؤكدًا التزامه بالمهنة ورفع مكانتها بين المصريين. ومن أشهر مقولاته في مرافعاته:
"لقد خدمت نحو خمسة وعشرين عامًا في المحاماة، ولم يخطر ببالي يومًا سبب اختيار الرداء الأسود رمزًا للمحامي، أو اللون الأخضر للوشاح الذي يزدان به صدر القاضي، إلا أنني علمت أن هذه الرموز تمثل الوقار والرحمة في آن واحد، تمامًا كما نرى في عمل القضاة على الأرض."
توفي إبراهيم بك الهلباوي في 20 ديسمبر 1940 عن عمر يناهز الثانية والثمانين، ودفن في القاهرة بمقابر الإمام الشافعي، تاركًا إرثًا قانونيًا ووطنيًا خالدًا، يخلده التاريخ كأول نقيب للمحامين، وفارس الكلمة وعبقري القانون في مصر.

