محمود سامي البارودي باشا ووزارة الأوقاف: شاعر النهضة في قلب الإدارة المصرية

يُعدّ محمود سامي البارودي باشا أحد أبرز الشخصيات التي جمعت بين الإبداع الأدبي والعمل الإداري والسياسي في مصر الحديثة، إذ لم يكن مجرد شاعرٍ قاد نهضة شعرية كبرى، بل رجل دولة تولّى مسؤوليات جسيمة في مرحلة شديدة الاضطراب، من بينها نظارة الأوقاف التي اضطلع بها في أكثر من تشكيل وزاري أواخر القرن التاسع عشر.
تولّى البارودي العمل بوزارة الأوقاف خلال فترات متقاربة زمنياً، لكنها جاءت في سياق سياسي بالغ الحساسية، حيث شهدت البلاد توترات داخلية وتدخلاً أجنبيًا متصاعدًا.
فقد شغل منصب ناظر الأوقاف والمعارف خلال الفترة من رجب 1296هـ حتى رمضان 1296هـ (5 يوليو – 18 أغسطس 1879م)، وذلك في وزارة محمد شريف باشا الثانية، حيث كان ملف الأوقاف متداخلًا مع ملف التعليم، بما يعكس أهمية الدور الذي أُسند إليه في الإشراف على مؤسستين من أعمدة الدولة.
ثم تولّى نظارة الأوقاف منفردة من أول رمضان 1296هـ حتى آخره (18 أغسطس – 21 سبتمبر 1879م)، في الوزارة التي رأسها الخديوي محمد توفيق الثانية، قبل أن يُعاد تكليفه بالمنصب ذاته في وزارة مصطفى رياض باشا الأولى، من شوال 1296هـ حتى شوال 1298هـ (1879–1881م).
وتُظهر هذه التعيينات المتكررة مدى الثقة التي حظي بها البارودي في إدارة ملف الأوقاف، رغم التغيّرات السياسية السريعة آنذاك. ويُذكر أنه كان يشغل وظيفة مأمور ضبطية مصر عند تعيينه ناظرًا للأوقاف لأول مرة، ما يعكس خبرته الإدارية والأمنية في آن واحد.
لم يقتصر دور البارودي على وزارة الأوقاف، بل جمع بينها وبين نظارة الجهادية والبحرية عقب استعفاء عثمان رفقي باشا، وذلك من ربيع الأول 1298هـ إلى شوال 1298هـ (فبراير 1881 – أغسطس 1882م)، وهو ما يوضح حجم الأعباء التي أُلقيت على عاتقه في لحظة فارقة من تاريخ الدولة.
كما بلغ ذروة العمل التنفيذي بتوليه رئاسة النُّظار من ربيع الأول 1299هـ حتى آخر رجب من العام نفسه (فبراير – يونيو 1882م)، قبل اندلاع الأحداث الكبرى المرتبطة بالثورة العرابية والاحتلال البريطاني.
تميّز البارودي بكونه نموذجًا فريدًا لرجل الدولة المثقف؛ فقد جمع بين الإدارة الصارمة والوعي الثقافي العميق، وهو ما انعكس على رؤيته لدور المؤسسات، وفي مقدمتها الأوقاف، باعتبارها ركيزة من ركائز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، لا مجرد جهاز مالي أو إداري.
وفي الوقت نفسه، كان رائد مدرسة «الإحياء» في الشعر العربي، فأعاد للقصيدة العربية لغتها الجزلة ومعانيها الأصيلة، واستحق عن جدارة لقب «شاعر النهضة» و**«رب السيف والقلم»**، في دلالة واضحة على ازدواجية دوره بين الفكر والسلطة.
على الرغم من قصر الفترات التي تولّى فيها البارودي نظارة الأوقاف، فإن تجربته تظل ذات دلالة خاصة في تاريخ الوزارة، إذ جاءت في لحظة تحوّل كبرى للدولة المصرية، سبقت سقوط السيادة الوطنية بسنوات قليلة. وقد ارتبط اسمه لاحقًا بالثورة العرابية وما أعقبها من نفي، ليظل نموذجًا للوزير الذي لم ينفصل عمله الإداري عن موقفه الوطني.
وهكذا يبقى محمود سامي البارودي باشا أحد الأسماء البارزة في سجل وزارة الأوقاف، ليس فقط بوصفه ناظرًا للوزارة، بل باعتباره رمزًا لجيلٍ حاول أن يُصلح مؤسسات الدولة وهو يواجه عواصف السياسة والتاريخ معًا.

