رحلة السيدة نفيسة إلى مصر

كانت السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، من آل بيت النبوة، قد بلغت منزلة عالية في العلم والزهد منذ صغرها. نشأت في المدينة المنورة بين حلقات العلماء، وتزوجت من إسحاق المؤتمن بن الإمام جعفر الصادق، فعاشت حياة يغمرها الإيمان والورع، وقد ذاع صيتها بين الناس في الحجاز.
ومع ازدياد عدد زائريها وطلاب العلم حولها، ومع حبها للتعبد والابتعاد عن ضوضاء الدنيا، رغبت في الرحيل إلى مصر التي كانت آنذاك ملتقى العلماء وبلدًا آمنًا يتّسع صدره لآل البيت. خرجت من المدينة المنورة سنة 193هـ تقريبًا في رحلة طويلة عبر الصحراء، وسار معها جمع من أهلها وخدمها، وكانوا يتوقفون في طريق الحجاز–مصر مرورًا بالعريش ثم الفسطاط.
استقبل أهل مصر قدومها بحفاوة كبيرة، فكان خبر قدوم حفيدة سيدنا الحسن يصل إلى البيوت قبل أن تصل إلى المدينة. وما إن دخلت الفسطاط حتى خرج العلماء والفقهاء والأمراء لاستقبالها، وطلبوا منها الإقامة بينهم. واختارت السيدة نفيسة منزلًا في حي «الحمراء القصوى» قرب الترب، وهو المكان الذي عُرف لاحقًا بمنطقة السيدة نفيسة، وكان قريبًا من مسجد عمرو بن العاص.
سرعان ما تحوّل بيتها إلى مدرسة علمية وروحية؛ يجتمع عندها الناس لسماع الحديث وتفسير القرآن، وكانت تُعرف بقوة حفظها وفصاحة لسانها وعمق فهمها. ومن أشهر من كان يجلس إليها الإمام الشافعي نفسه، الذي كان يأتيها بنفسه ويحترم علمها وتقواها، ويطلب منها الدعاء، وقد عُرف عنه قوله: “ما رأيت في زماني أعبد من نفيسة”.
أقامت السيدة نفيسة في مصر نحو أربعين عامًا، لم تُغادرها قط بعد أن أحبت أهلها وأحبّوها، حتى صارت جزءًا من وجدانهم. وحين توفيت سنة 208هـ أراد زوجها نقل جثمانها إلى المدينة، لكن أهل مصر تمسّكوا ببقائها بينهم، حتى وافق وتم دفنها في موضع بيتها الذي صار مزارًا ومسجدًا تُرفع فيه الصلوات وتُقرأ فيه الفاتحة على مر القرون.
وهكذا أصبحت رحلتها إلى مصر نقطة مضيئة في تاريخ آل البيت، ومصدر بركة وعلم لأهل البلاد، وارتبط اسمها بالرحمة والورع والعلم، وبقي مقامها شاهدًا على هذه الرحلة المباركة.

