أنباء اليوم
 أنباء اليوم

حراسة القداسة وروحانية التاريخ حول جبانة الإمام الشافعي

حراسة القداسة وروحانية التاريخ حول جبانة الإمام الشافعي
تامر المنشاوي -


تقع جبانة الإمام الشافعي في قلب القاهرة القديمة، شاهدة على قرون من التاريخ الروحي والديني. في هذه الجبانة، تتلاقى أرواح كبار العلماء والأولياء الصالحين الذين تركوا بصماتهم في الحياة الدينية والاجتماعية، لتبقى المنطقة واحة للسلام والتأمل، حيث يختلط عبق الإيمان بصفاء الروح.

تتصدر الجبانة قبة الإمام الشافعي، التي تعد قبلة للمؤمنين والدارسين على حد سواء، فهي المكان الذي يخلد ذكرى الإمام الذي أسس نهجًا فقهيًا جمع بين العلم والروحانية، وكان له تأثير بالغ في تطور الفقه الإسلامي في مصر والعالم العربي. حول هذه القبة، تنتشر قبور كبار العلماء والصالحين الذين أضفوا على المكان قداسة خاصة.

من بين هؤلاء سيدي زكريا الأنصاري، المعروف بورعه وعلمه الواسع، والذي كان مثالًا للالتزام بالعبادة والعلوم الدينية، وترك إرثًا روحيًا للأجيال التالية. كما تضم الجبانة قبر الإمام ورش وهو أحد أشهر قراء القرآن الكريم، الذي ساهم في حفظ القراءات ونقلها للأجيال، حيث تعتمد أجزاء واسعة من العالم الإسلامي على قراءة ورش عن نافع وكما يوجد ضريح الأمام وكيع بن الجراح.

كما يقبع فيها الإمام المزني والإمام الطحاوي، وهما من أعلام الفقه والحديث والتفسير، اللذين جمعا بين العلم والعمل، ودرّسا الأجيال على نهج متين من المعرفة الدينية. وهناك أيضًا يحيى الشبيه، الذي عرف بورعه وزهده، وترك أثرًا في المجتمع المصري من خلال دعوته وسلوكه الصالح وحفيد سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

تحتضن الجبانة كذلك قبر السيدة أم كلثوم من آل البيت، التي أضافت بقداستها وصلاحها بعدًا روحانيًا خاصًا للمكان، وقباب عددا من الأولياء والصالحين ومنهم أبو القاسم الطيب من زرية النبي محمد والإمام الليث بن سعد، عالم وفقيه معروف بعمق علمه وإسهامه في التعليم الديني في مصر.

كما تضم الجبانة قبور السادة المالكية والسادة البكرية، الذين حافظوا على تراث الفقه الإسلامي ونقلوه للأجيال، وسيدي العز بن عبدالسلام و كذلك الصحابي الجليل سيدي عقبة بن عامر الجهني والصحابي عمرو بن العاص و بن حجر العسقلاني و السيدة رابعة العدوية .

هذه الجبانة ليست مجرد مقبرة، بل متحف حي للعلم والتقوى، يتجلى فيه التاريخ الروحي العميق للقاهرة، ويشعر الزائر فيها بأنه على تماس مباشر مع قداسة المكان وروحانية أعلامه. هنا، يلتقي الماضي بالحاضر، وتنبض الأرواح بعطر الإيمان، في مشهد يذكر الزائر بعظمة تراث مصر الروحي والديني.