أنباء اليوم
 أنباء اليوم

قاعات العصور التاريخية بالمتحف المصري الكبير رحلة عبر الزمن المصري القديم

تامر المنشاوي -

يشكل المتحف المصري الكبير عند سفح أهرامات الجيزة بوابةً ضخمةً على تاريخ مصر الممتد لآلاف السنين. فهو ليس مجرد متحف، بل رحلة زمنية حية تسرد فصول الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ حتى الحقبة اليونانية الرومانية. وتُعدّ قاعات العصور التاريخية قلب هذا المتحف، حيث تنبض الجدران والتماثيل والأدوات بروح أجدادنا القدماء، مرتبة وفق تسلسل زمني يحكي تطور الدولة والمجتمع والفن والعقيدة.

تضم القاعات الاثنتا عشرة الأولى لتضم نحو 50 ألف قطعة أثرية تم اختيارها بعناية لتروي قصة مصر من البدايات الأولى للاستقرار الإنساني على ضفاف النيل إلى عصور القوة والازدهار في الدولة الحديثة، وصولًا إلى التفاعل الثقافي مع العالم الهلنستي والروماني.

تنقسم القاعات إلى أربع مراحل زمنية رئيسية، تبدأ بـ عصور ما قبل التاريخ والعصر العتيق، حيث تُعرض أدوات الصيد والحلي البدائية وأقدم التماثيل المصرية التي تعكس ملامح الإنسان الأول على أرض النيل.

ثم تأتي قاعات الدولة القديمة والوسطى التي تُظهر عبقرية المصريين في فنون العمارة والنحت والتنظيم الإداري، وفيها نماذج من تماثيل الملوك والكتبة، وأدوات من مقابر النخبة، وصور توضح نشأة الأهرامات وطقوس الدفن المقدسة.

أما قاعات الدولة الحديثة فتُعد من أروع ما يضمه المتحف؛ إذ تشهد على عصر الإمبراطورية المصرية في زمن رمسيس الثاني وتوت عنخ آمون، وتضم تماثيل ضخمة، وكنوزًا ملكية مذهلة من الذهب والعاج والخشب المطعّم، إلى جانب أدوات الحياة اليومية التي تكشف عن رفاهية القصور الملكية ودقة الصناع المصريين القدماء.

وفي القاعات الأخيرة ينتقل الزائر إلى عصور التحول، من الفترة المتأخرة إلى العصرين اليوناني والروماني، حيث يظهر التأثير المتبادل بين الفن المصري واليوناني، وتماثيل لآلهة مصرية صيغت بأسلوب إغريقي، ما يعكس انفتاح مصر على العالم القديم دون أن تفقد هويتها الخاصة.

تعتمد القاعات على تقنيات عرض حديثة مثل الإضاءة الذكية والشاشات التفاعلية التي تشرح القطع وتعيد تصوير الحياة اليومية في العصور المختلفة، مما يجعل التجربة التعليمية والبصرية متكاملة.

ومن خلال هذا السرد المتسلسل، يشعر الزائر بأنه يعبر الزمن خطوة بخطوة، من أول نقر على الصخر إلى ذروة الحضارة في عهد الفراعنة، وصولًا إلى بوادر التفاعل العالمي في العصور اللاحقة.

وبذلك تصبح قاعات العصور التاريخية بالمتحف المصري الكبير شهادة حيّة على عظمة الإنسان المصري، ورحلة فريدة تربط الماضي بالحاضر وتفتح بابًا نحو فهم أعمق لجذور الهوية المصرية التي ما زالت تلهم العالم حتى اليوم.