أنباء اليوم
 أنباء اليوم

غزة مدينة التاريخ ومكان ميلاد الإمام الشافعي

صورة توضيحية
تامر المنشاوي -


تُعد مدينة غزة من أعرق مدن العالم وأغناها بالآثار والمعالم التاريخية التي تشهد على تعاقب الحضارات منذ آلاف السنين، فهي البوابة الجنوبية لبلاد الشام وملتقى طرق القوافل والتجارة بين مصر وآسيا، ومركز ديني وعلمي ازدهر عبر القرون. لم تكن غزة مجرد محطة في التاريخ، بل كانت مهداً للعظماء، إذ وُلد فيها الإمام محمد بن إدريس الشافعي عام 150هـ، لتحتضن المدينة بذلك ميلاد أحد أئمة الفقه الأربعة وأحد أبرز العلماء في تاريخ الإسلام.

عرفت غزة منذ العصور القديمة بأهميتها الاستراتيجية والروحية، فكانت تحت حكم المصريين القدماء الذين تركوا آثارهم في تل السكن وتل العجول، حيث كشفت الحفريات عن بقايا حصون فرعونية وأوانٍ فخارية تشير إلى صلات تجارية وثقافية عميقة بين وادي النيل وبلاد كنعان. كما شهدت المدينة في العصور اليونانية والرومانية ازدهاراً عمرانياً وثقافياً، لا تزال آثاره ماثلة في الفسيفساء البيزنطية بجباليا وكنيسة القديس برفيريوس التي تعود للقرن الخامس الميلادي وتُعد من أقدم الكنائس العاملة في العالم.

ومع دخول الإسلام، تحولت غزة إلى مدينة علم وعبادة، فازدهرت مساجدها ومدارسها، ويُعد الجامع العمري الكبير قلبها التاريخي وأحد أجمل المعالم المملوكية في فلسطين. كذلك يحتضن جامع السيد هاشم ضريح جدّ النبي محمد ﷺ، ليصبح مزاراً روحياً يؤمه الزوار من أنحاء العالم الإسلامي. كما بقيت شوارع غزة القديمة شاهدة على عصور الازدهار، خاصة في أحياء الزيتون والدرج التي تميزت بأزقتها الضيقة المرصوفة بالحجارة، وبمبانيها العثمانية ذات الأقواس العالية والنوافذ المزخرفة. وفي تلك الشوارع تنتشر السبل المائية الأثرية (السبُل) التي أنشأها الولاة والمحسنون لتوفير الماء للعابرين، مثل سبيل السوق وسبيل حمام السمرة، وهي شواهد على روح التكافل والجمال المعماري الذي ميّز المدينة عبر القرون.

كما تضم غزة عدداً من الحمامات التاريخية مثل حمام السمرة الذي يعود للعصر المملوكي، والخانات القديمة كخان الزيت وخان العمدان، التي كانت محطات للتجار والحجاج بين مصر والشام. ويبرز قصر الباشا، المعروف أيضاً ببيت النشاشيبي، كأحد أهم القصور المملوكية التي تحولت إلى متحف يضم مقتنيات أثرية تعكس عراقة المكان وتنوع حضاراته.

غزة التي ولدت على أرضها عبقرية الإمام الشافعي، لم تفقد بريقها رغم ما مرّ بها من نكبات، فهي لا تزال تحمل عبق التاريخ وملامح الحضارات المتعاقبة من الكنعانيين والمصريين القدماء إلى المماليك والعثمانيين. إنها مدينة تختصر سيرة الإنسان في سعيه الدائم للعلم والبقاء، وتظل رمزاً للثبات والجمال رغم ما يعصف بها من أحداث، تكتب تاريخها بالحجر وبالأسماء الخالدة التي خرجت من ترابها النبيل لتضيء طريق الإنسانية.