تمثال رمسيس الثاني من ميت رهينة إلى البهو العظيم بالمتحف المصري الكبير

يُعد تمثال رمسيس الثاني واحدًا من أبرز الشواهد الأثرية التي تجسد عظمة الحضارة المصرية القديمة، ورمزًا خالدًا لقوة الفرعون الذي حكم مصر في ذروة مجدها. بدأ تاريخ هذا التمثال المهيب في أوائل القرن التاسع عشر، حين اكتشفه العالم الإيطالي جيوفاني باتيستا كافيليا عام 1820 في موقع ميت رهينة بالقرب من العاصمة القديمة ممفيس. كان التمثال في ذلك الوقت محطمًا إلى عدة أجزاء ومدفونًا جزئيًا في الأرض، لكنه ظل محتفظًا بجلال ملامحه وتفاصيله الدقيقة المنحوتة من الجرانيت الوردي، ذلك الحجر الصلب الذي استخدمه المصريون القدماء في تشييد تماثيلهم ومعابدهم الكبرى.
يبلغ ارتفاع التمثال نحو أحد عشر مترًا ويزن أكثر من ثلاثٍ وثمانين طنًا، وهو يمثل الملك رمسيس الثاني في وضع الوقوف، مرتديًا التاج الملكي وملامحه تنطق بالقوة والسكينة في آنٍ واحد. لسنوات طويلة بقي التمثال في موقعه بميت رهينة، إلى أن تقرر في منتصف خمسينيات القرن العشرين نقله إلى قلب العاصمة المصرية، ليزين ميدان باب الحديد الذي أصبح يُعرف لاحقًا باسم “ميدان رمسيس”. وجاء القرار في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، كرمزٍ لعظمة التاريخ المصري وامتداده في قلب القاهرة الحديثة.
أقيم التمثال حينها على قاعدة مرتفعة وسط الميدان، وأصبح مَعلمًا رئيسيًا يراه كل من يدخل القاهرة من محطتها الشهيرة. إلا أن مرور الزمن وتلوث الجو واهتزازات القطارات والسيارات المحيطة بدأت تُحدث أضرارًا واضحة في جسد التمثال، ما دفع الجهات الأثرية إلى التفكير جديًا في نقله إلى مكان أكثر أمانًا. وفي عام 2006 بدأت عملية نقل ضخمة واستثنائية، استغرقت شهورًا من الإعداد والدراسة لتأمين التمثال العملاق أثناء الرحلة. خرج التمثال من الميدان في مشهد مهيب تابعه المصريون والعالم أجمع، ليبدأ فصلًا جديدًا في تاريخه الطويل.
استقر تمثال رمسيس الثاني في موقعه الجديد عند مدخل المتحف المصري الكبير بالجيزة، ليكون أول ما يستقبل الزائرين في البهو العظيم للمتحف، وكأنه يرحب بهم باسم مصر القديمة. وأصبح التمثال اليوم رمزًا للافتتاح المنتظر للمتحف، حيث تُعد لحظة إزاحة الستار عنه بحضور رؤساء وملوك العالم واحدة من أبرز لحظات الاحتفاء بالتراث الإنساني. إن رحلة هذا التمثال، من باطن الأرض في ميت رهينة إلى قلب العاصمة ثم إلى جوار أهرامات الجيزة، ليست مجرد قصة نقل أثر، بل هي ملحمة تجسد مسيرة مصر في الحفاظ على تاريخها، واحترامها لعظمة ماضيها الذي لا يزال ينبض بالحياة في وجه الزمن.