رجال اكتوبر الذين صنعوا النصر والعبور

في السادس من أكتوبر عام 1973، سطّر التاريخ صفحة من أنصع صفحاته، يوم انتفضت مصر لتستعيد أرضها وكرامتها، بعد سنوات من الاحتلال والانكسار. كان يوم العبور يومًا تجلت فيه إرادة الأمة المصرية بكل عنفوانها، حين حوّل جيشها العظيم الحلم إلى واقع والنكسة إلى نصر خالد.
كان وراء هذا النصر رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، قادة وجنودًا، حملوا أرواحهم على أكفّهم من أجل أن تبقى مصر حرة أبية.
في مقدمة هؤلاء القادة جاء الرئيس محمد أنور السادات، بطل الحرب والسلام، الذي تحمّل مسؤولية القرار الأصعب في تاريخ مصر الحديث. بجرأته وحكمته وإيمانه بشعبه، أعلن ساعة الصفر، فأعاد لمصر شرفها ومكانتها، وأثبت للعالم أن القرار المصري لا يُملى عليه.
وإلى جانبه وقف الفريق أول أحمد إسماعيل علي وزير الحربية، الذي أدار المعركة بثبات أعصاب وإيمان قوي بالنصر، متحديًا كل الضغوط، ليقود قواتنا المسلحة نحو النصر العظيم.
كما سطع نجم الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، مهندس خطة العبور العبقرية، وصاحب الخداع الاستراتيجي الذي حيّر العدو وأربك حساباته، فكانت عبقرية في التخطيط والتنفيذ.
وبرز دور الفريق محمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة العمليات، الذي وصفه الخبراء بـ«العقل المدبر للحرب»، حيث وضع تفاصيل خطة القتال وأدار سير العمليات بدقة نادرة.
أما في سماء المعركة، فقد حمل الطيار محمد حسني مبارك، قائد القوات الجوية آنذاك، شرف قيادة الضربة الجوية الأولى التي فتحت أبواب النصر، حين أقلعت أكثر من 200 طائرة مصرية في وقت واحد لتدك مواقع العدو بدقة مدهشة، فتهاوت مراكز القيادة والسيطرة في لحظات، وبدأت ملحمة التحرير.
ولا يمكن أن نغفل ذكر العميد إبراهيم الرفاعي، أسطورة الصاعقة المصرية، الذي نفّذ عشرات العمليات خلف خطوط العدو، وكان رمزًا للشجاعة والتضحية حتى استشهاده في الميدان، ليبقى اسمه خالدًا في ضمير كل مصري.
كما تميّز اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني الميداني، واللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث، واللواء كمال حسن علي، واللواء عبد رب النبي حافظ، بدورهم البطولي في إدارة المعارك على الأرض، وتحقيق التقدم السريع نحو العمق الشرقي للقناة.
ولم يكن النصر نصر القادة وحدهم، بل نصر الجنود البواسل، أبناء مصر البسطاء، الذين حملوا الوطن في قلوبهم وهم يعبرون القناة تحت وابل من النيران. جندي يرفع العلم فوق حصون بارليف، وآخر يفتح ثغرة في الساتر الترابي بخراطيم المياه، وثالث ينقذ زميله الجريح قبل أن يتقدم نحو النصر. كانوا جميعًا مثالًا للفداء والعزيمة.
ومن الأبطال الذين خلدهم التاريخ أيضًا:
المقدم أحمد حمدي، بطل سلاح المهندسين، الذي استُشهد وهو يقيم الكباري لعبور القوات، ليصبح «شهيد العبور» ورمز التضحية والإخلاص.
اللواء محمد زكي بدر أحد أبطال الدفاع الجوي، الذي ساهم في إسقاط مئات الطائرات الإسرائيلية عبر شبكة الصواريخ المصرية المتكاملة.
الجندي محمد المصري الذي دمّر 27 دبابة إسرائيلية في معركة الفردان، ليُلقب بـ«صائد الدبابات».
الشهيد عبد العاطي الذي دمّر بمفرده 23 دبابة للعدو بسلاحه الشخصي، في مشهد سيظل رمزًا للبطولة الخالدة.
المجند مجدي بشارة ورفاقه الذين زرعوا ألغامهم في عمق العدو، ممهّدين الطريق للقوات المتقدمة.
كانت ملحمة أكتوبر لوحة متكاملة من البطولة الجماعية، شارك فيها القادة والجنود، الطيارون والمظليون، المهندسون والمشاة، كلٌّ في موقعه يؤدي دوره بإيمان لا يتزعزع.
لقد علّمنا رجال أكتوبر أن النصر لا يُهدى، بل يُنتزع بالإصرار والعزيمة والإيمان بالوطن. وأن الجيش المصري، درع الأمة وسيفها، هو امتداد لجيوش مصر القديمة التي حمت الأرض والعرض منذ فجر التاريخ.
وسيبقى السادس من أكتوبر يومًا خالدًا في ضمير الأمة، يومًا تذكُر فيه مصر رجالها الذين صنعوا العبور، وكتبوا بدمائهم شهادة ميلاد جديدة للوطن.