أنباء اليوم
 أنباء اليوم

زودياك دندرة خريطة السماء المنحوتة على جدران معبد حتحور

صورة توضيحية
تامر المنشاوي -

في قلب معبد حتحور بمدينة دندرة بمحافظة قنا، يتلألأ نقش فلكي فريد أسر أنظار العلماء منذ اكتشافه، وهو ما يعرف بـ“زودياك دندرة” أو دائرة البروج، أقدم خريطة سماوية منقوشة في العالم القديم. هذا الزودياك الذي يزين سقف مقصورة أوزوريس داخل المعبد لم يكن مجرد زخرفة فنية، بل رؤية مصرية بطلمية للكون تربط بين الدين والفلك والأسطورة. يعود تاريخه إلى نحو عام خمسين قبل الميلاد، حين كان المصريون تحت حكم البطالمة، وهو يمثل امتدادًا لطقوس العبادة التي جمعت بين الرموز السماوية والإلهية، إذ صُوّرت الأبراج الاثنا عشر في دائرة بارعة التناسق تحيط بالسماء والنجوم والكواكب. تتجلى في النقش رموز الأبراج المعروفة مثل الحمل والثور والعقرب والدلو، إلى جانب تجسيد مصري خاص مثل الإله حابي الذي يمثل برج الدلو وهو يسكب الماء من قدحين. كما تضم الدائرة تمثيلاً للكواكب الخمسة التي عرفها المصري القديم: عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل، مرتبة وفق مواقعها في السماء، وحولها تتوزع ستة وثلاثون “ديكانًا” تمثل التقسيمات الزمنية للعام المصري القديم.

هذا العمل الفني الفلكي المذهل جذب اهتمام الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، حين نُشر أول رسم له عام 1802 وأثار جدلاً واسعًا حول عمره ودلالته، إذ رأى بعض الباحثين أنه يمثل تاريخًا سماويًا محددًا يمكن بواسطته تأريخ بناء المعبد. ورجح آخرون أنه تأثر بالفكر البابلي واليوناني لكنه ظل يحمل روح مصر القديمة، حيث اندمجت فيه الرموز الدينية لحتحور وأوزوريس وإيزيس وحورس مع حركة الأجرام السماوية. ومع مرور الوقت أصبح الزودياك رمزًا للحكمة المصرية القديمة وللقدرة على الربط بين السماء والأرض في فلسفة بصرية مذهلة.

وفي مطلع القرن التاسع عشر نُقلت القطعة الأصلية من سقف المعبد إلى فرنسا، وتعرض اليوم في متحف اللوفر بباريس، بينما بقيت نسخة طبق الأصل في مكانها داخل المعبد. ومع ذلك ما زال زودياك دندرة يمثل مفخرة أثرية وعلمية لمصر، وشاهداً على عبقرية المصري القديم الذي استطاع أن يحول السماء إلى لوحة حجرية خالدة تنبض بالحياة والرموز عبر آلاف السنين.