أنباء اليوم
 أنباء اليوم

حقي العظم بين دمشق والقاهرة رئيس وزراء سوريا يرقد في مقابر الإمام الشافعي إلى جوار رموز مصر

تامر المنشاوي -

يُعَدّ حقي العظم (1864 – 1955) واحدًا من أبرز الشخصيات السياسية في تاريخ سوريا الحديث، فقد تولّى رئاسة الوزراء أكثر من مرة ولعب دورًا محوريًا في مرحلة الانتداب الفرنسي، محاولًا الموازنة بين الوطنية السورية وضغوط الاحتلال. والمفارقة التي خلّدت اسمه خارج حدود بلاده كانت مثواه الأخير في القاهرة، حيث دُفن في نطاق مقابر الإمام الشافعي، ليصبح جزءًا من ذاكرة المكان القاهرية، وتزداد قيمة وجوده هناك بكونه يرقد وسط أضرحة رموز مصر من العلماء والأولياء ورجال السياسة والفكر.

وُلد العظم في دمشق لأسرة عريقة ذات مكانة اجتماعية وسياسية، وتلقى تعليمه في مدرسة الآباء اللّازريين حيث أتقن العربية والتركية والفرنسية، قبل أن ينتقل إلى إسطنبول ليتدرّج في الوظائف العثمانية. في بداياته ارتبط بجمعية الاتحاد والترقي، لكنه انسحب بعد تزايد سياسات التتريك ليصبح من رموز الحركة الداعية للامركزية في المشرق العربي.

خلال الحرب العالمية الأولى أصدرت السلطات العثمانية حكمًا بإعدامه، إلا أن وجوده خارج البلاد أنقذه من المصير المحتوم. ومع قيام دولة دمشق تحت الانتداب الفرنسي تولّى حقي العظم رئاسة الحكومة عام 1920، ثم عاد إلى رئاسة الوزراء بين عامي 1932 و1934 في عهد الرئيس محمد علي العابد، ليترأس بعدها مجلس الشورى حتى تقاعده سنة 1938. ولم يكن مجرد سياسي بل كان أيضًا صاحب قلم ترك مؤلفات باللغتين العربية والتركية، من أبرزها كتابا حروب الدولة العثمانية مع اليونان ودفاع بلافنا، وقد عُرف بخطابه العقلاني وسعيه الدائم للتوفيق بين الفكر الوطني ومتطلبات الواقع السياسي.

رحل حقي العظم في القاهرة عام 1955 بعيدًا عن دمشق التي شكّلت مسرح حياته السياسية، ودُفن في حوش فاطمة برلنتي الشامية هانم ضمن نطاق مقابر الإمام الشافعي. وهناك، حيث تختلط ذاكرة التصوف والعلم والسياسة في واحدة من أعرق جبانات مصر، وجد آل العظم الدمشقيون مثواهم الأخير، لتبقى مدافنهم علامة على امتداد الأسرة بين الشام ومصر.
إن سيرة حقي العظم تمثل نموذجًا لجيل من السياسيين العرب الذين وُلدوا في ظل الدولة العثمانية وعاشوا تجارب الانتداب والاستقلال قبل أن يجدوا في القاهرة مستقرّهم الأخير، أما دفنه في مقابر الإمام الشافعي إلى جوار رموز مصر فقد أضفى على ذكراه بعدًا حضاريًا وإنسانيًا جديدًا، جعل من قبره شاهدًا على وحدة الذاكرة العربية بين ضفاف النيل ودمشق.