أنباء اليوم
 أنباء اليوم

نقل جثمان سعد زغلول من الإمام الشافعي إلى ضريحه في بيت الأمة ودور مصطفى النحاس

صورة توضيحية
تامر المنشاوي -


في الثالث والعشرين من أغسطس عام 1927، غيّب الموت زعيم الأمة سعد باشا زغلول، قائد ثورة 1919 ورمز الحركة الوطنية المصرية. كان رحيله صدمة للشعب المصري الذي شيّعه في جنازة مهيبة لم تشهد لها البلاد مثيلًا، حيث تدفقت الجماهير من كل حدب وصوب لتوديع زعيمها. لكن ضيق الوقت وعدم اكتمال ضريح مخصص له بجوار منزله «بيت الأمة» جعلا جثمانه يُدفن مؤقتًا في مقابر الإمام الشافعي بالقاهرة، على أن يُنقل لاحقًا إلى مثواه الأبدي الذي خطط له الوفديون ليظل رمزًا خالدًا للحركة الوطنية.
بعد الوفاة مباشرة، بدأت المناقشات حول بناء ضريح يليق بمقام سعد زغلول. شهدت هذه الفترة جدلاً واسعًا حول الطابع المعماري للضريح، بين من دعا إلى طراز عربي إسلامي ومن أصر على طراز فرعوني يربط بين زعامة سعد وجذور الهوية المصرية القديمة. استقر الرأي في النهاية على الطراز الفرعوني الجديد، وبدأت أعمال البناء في أواخر عشرينيات القرن العشرين، حتى اكتمل الضريح فعليًا سنة 1931. غير أن اكتمال المبنى لم يعنِ بالضرورة نقل الجثمان مباشرة؛ فقد أعاقت الخلافات السياسية بين الحكومات المتعاقبة، إلى جانب تعقيدات بيروقراطية ومالية، تنفيذ الخطوة المنتظرة، وظل جثمان سعد راقدًا في الإمام الشافعي لما يقرب من تسع سنوات كاملة.
مع عودة حزب الوفد بقيادة مصطفى النحاس إلى المشهد السياسي، تجدد الأمل في إتمام عملية النقل. كان النحاس باشا، خليفة سعد في زعامة الوفد، حريصًا على أن يتحقق هذا الحلم الوطني، وأن يُكرَّم الزعيم في ضريح يليق بتاريخه. وفي عام 1936 صدر القانون رقم 53 الذي نص رسميًا على نقل رفات سعد باشا زغلول من مقابر الإمام الشافعي إلى الضريح الجديد الملحق ببيت الأمة. بهذا القانون وضع الوفد إطارًا شرعيًا وقانونيًا لتنفيذ النقل، بعد أن ظل مجرد مطلب شعبي وسياسي سنوات طويلة.
وجاء يوم الجمعة 19 يونيو 1936 ليشهد المشهد التاريخي. انطلق الموكب الجنائزي الرسمي من مقابر الإمام الشافعي وسط حضور شعبي ورسمي واسع، وتقدمت الفرق العسكرية بخطى منتظمة بينما كانت المدافع تطلق طلقات التحية، وسارت العربات المزدانة بالأعلام والزهور خلف النعش الذي يضم رفات سعد. في مقدمة الموكب كان مصطفى النحاس باشا وأعضاء الحكومة وكبار رجالات الدولة، وقد بدا المشهد بمثابة جنازة ثانية للزعيم، إذ تدفقت الجماهير مرة أخرى إلى شوارع القاهرة لتشارك في هذا اليوم المهيب.
وصل الموكب إلى الضريح الجديد بجوار بيت الأمة، حيث استقبلت الجماهير الجثمان بالدموع والهتافات والدعاء، وشارك كبار الشخصيات في مراسم الدفن الرسمية. بذلك تحقق الحلم المؤجل، وارتاح جثمان سعد في ضريحه الذي تحول مع مرور الزمن إلى مزار وطني ورمز للوفاء لتاريخ زعيم الأمة.
لقد كان لمصطفى النحاس دور محوري في هذا الحدث؛ فهو الذي دفع بالقانون إلى البرلمان، وأشرف على الترتيبات الحكومية والرسمية، وأصر على أن يتم النقل في صورة احتفالية تليق بالزعيم، ليؤكد أن الوفد ما زال على العهد، وأن زعيمه باقٍ في وجدان الأمة. وهكذا صار ضريح سعد زغلول وبيت الأمة شاهدين على حقبة كاملة من تاريخ مصر، ورمزًا خالدًا لكفاحها الوطني.