الثورة العرابية ودور الزعيم أحمد عرابي حتى نفيه

تُعد الثورة العرابية (1879 – 1882م) واحدة من أبرز محطات النضال الوطني في تاريخ مصر الحديث، حيث عبّرت عن وعي الشعب المصري بضرورة مقاومة الاستبداد الداخلي والهيمنة الأجنبية، كما جسّدت أول حركة عسكرية ــ سياسية واسعة قادها ضباط مصريون بقيادة الزعيم أحمد عرابي.
ولد أحمد عرابي في قرية هرية رزنة بمحافظة الشرقية عام 1841، والتحق بالجيش المصري في عهد الخديوي سعيد، فصعد بجدارة في السلك العسكري حتى صار من الضباط البارزين الذين التف حولهم الجنود المصريون. ومع تولي الخديوي توفيق الحكم، اشتد النفوذ الأجنبي في مصر، خاصة التدخل البريطاني والفرنسي في شؤون المالية والإدارة، إلى جانب سيطرة الضباط الأتراك والشركس على المناصب العليا في الجيش، مما ولّد شعورًا بالظلم لدى الضباط المصريين.
برز دور أحمد عرابي عندما قاد حركة احتجاجية داخل الجيش سنة 1881 مطالبًا بالمساواة بين الضباط المصريين والشركس، وبزيادة عدد الجيش وتحسين أوضاعه. وقدّم عرابي مطالب الأمة الشهيرة أمام قصر عابدين في سبتمبر 1881، حيث أعلن بجرأة أن "مصر للمصريين"، وهو الشعار الذي لخص جوهر الثورة. هذا الموقف جعل منه قائدًا شعبيًا ورمزًا للكرامة الوطنية.
لم تقتصر الثورة العرابية على المطالب العسكرية فحسب، بل تحولت إلى ثورة شعبية شاملة تبنت مطالب الإصلاح الدستوري والحد من سلطة الخديوي المطلقة، وأدى ذلك إلى صدام مباشر مع توفيق الذي استعان ببريطانيا وفرنسا لإخماد الحركة. وفي عام 1882، أنزلت بريطانيا قواتها إلى الإسكندرية بعد قصفها، ثم توجهت إلى معركة التل الكبير الشهيرة، حيث واجه الجيش المصري بقيادة عرابي الاحتلال البريطاني. ورغم شجاعة الجنود، انتهت المعركة بالهزيمة بسبب الخيانة وضعف التنظيم، فدخل الإنجليز القاهرة وفرضوا احتلالًا دام أكثر من سبعين عامًا.
أُلقي القبض على أحمد عرابي وعدد من رفاقه، وحوكموا بتهمة العصيان والتمرد. ورغم المطالبة بإعدامه، فقد خفف الحكم إلى النفي إلى جزيرة سيلان (سريلانكا حاليًا) عام 1882، حيث ظل هناك نحو عقدين من الزمن، بعيدًا عن وطنه الذي أحبّه وقاد ثورته.
وهكذا انتهت الثورة العرابية بالاحتلال البريطاني، لكن أثرها لم ينته؛ فقد أيقظت الوعي القومي لدى المصريين، ورسخت فكرة أن الدفاع عن الحرية والعدالة يستحق التضحيات، وأن أحمد عرابي ـ رغم نفيه ـ سيبقى رمزًا للكرامة الوطنية ومقاومة الاستبداد.