أنباء اليوم
 أنباء اليوم

الصين تغرق أفريقيا بصادرات أكثر من أي منطقة أخرى

صورة توضيحية
أميرة عبد العظيم -


أصبحت أفريقيا وجهة رئيسية جديدة للصادرات الصينية في وقت تعيد فيه الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب تشكيل مسار التجارة أمام أكبر دولة صناعية في العالم.

فقد قفزت المبيعات الصينية إلى القارة، التي تضم 1.5 مليار نسمة، بنسبة 25% على أساس سنوي لتبلغ 122 مليار دولار، متجاوزةً جميع الأسواق الرئيسية الأخرى هذا العام، فيما انخفضت الطلبات القادمة من الولايات المتحدة. وتخطت الصادرات الصينية إلى أفريقيا منذ بداية 2025 إجمالي ما تم تسجيله في عام 2020، وهي تسير بخطى متسارعة نحو تجاوز مستوى 200 مليار دولار لأول مرة.

وعلى الرغم من استمرار الخلل الواضح في ميزان التجارة، حيث حققت الصين فائضاً أكبر بكثير مع أفريقيا مقارنة بالعام الماضي، فإن بكين تعمل على فتح سوقها المحلية مستفيدةً من الفرصة لتلبية احتياجات القارة من مشروعات البنية التحتية.

الصين تخترق الأسواق الناشئة الأفريقية
أوضح كريستوفر بيدور، نائب مدير أبحاث الصين لدى شركة "غافيكال دراغونوميكس" (Gavekal Dragonomics)، أن "المصدرين الصينيين أحرزوا تقدماً لافتاً في تنويع أسواقهم الناشئة خلال السنوات الأخيرة، ومن بينها السوق الأفريقية"، مضيفاً أن "تراجع قيمة اليوان هذا العام ربما عزز القدرة التنافسية للصادرات الصينية داخل دول القارة".

كما دفعت الحرب التجارية طفرة طال انتظارها لسنوات، مدفوعة بمبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ عام 2013. ومع فوز الشركات الصينية بعقود لتنفيذ مشاريع تمتد من السكك الحديدية إلى المناطق الصناعية في مختلف أنحاء أفريقيا، ارتفع هذا العام الطلب على المعدات والمواد اللازمة لإنجاز هذه المشروعات.

تتصدر نيجيريا وجنوب أفريقيا ومصر قائمة أكبر مستوردي السلع الصينية في القارة، فيما جاءت معدات البناء ضمن أسرع الصادرات الصينية نمواً إلى أفريقيا خلال الأشهر السبعة الأولى من العام، حيث قفزت بنسبة 63% على أساس سنوي.

كذلك، ارتفعت شحنات سيارات الركاب بأكثر من ضعف مستواها العام السابق، فيما سجلت بعض منتجات الصلب نمواً كبيراً بنسب مزدوجة.

في الوقت ذاته، لا تزال حصة أفريقيا من إجمالي الصادرات الصينية محدودة عند نحو 6%، أي ما يقارب نصف حصة الولايات المتحدة.

يعتقد بيدور من "غافيكال دراغونوميكس" أن جزءاً من السلع الموجهة للولايات المتحدة قد يتم تمريره عبر أفريقيا، وهي آلية تُعرف باسم "إعادة الشحن".

فرصة الصين الصناعية في أفريقيا
أسهم تصاعد النزعة الحمائية في واشنطن في تعزيز توجه أفريقيا نحو الشراء من بكين، بعدما أصبحت العديد من السلع الواردة من أكثر من 30 دولة أفريقية، والتي كانت تتمتع بإعفاء جمركي إلى الأسواق الأميركية بموجب "قانون النمو والفرص في أفريقيا"، خاضعة الآن لسلسلة من الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب.

اقرأ أيضاً: ترمب يحول العلاقة مع أفريقيا من المساعدات إلى التجارة

وردّاً على هذه السياسات، أعلن الرئيس شي في يونيو إلغاء الرسوم الجمركية على جميع الواردات القادمة من الدول الأفريقية التي تربطها بالصين علاقات دبلوماسية.

وفي الشهر ذاته، أتاحت الحكومة في بكين استيراد منتجات زراعية من إثيوبيا والكونغو وغامبيا وملاوي، ليصل بذلك عدد الدول الأفريقية التي حصلت على منفذ إلى السوق الصينية إلى 19 دولة.

تملك الصين فرصة لنقل خبرتها وآلتها الصناعية الهائلة إلى أفريقيا، القارة التي تعاني من ارتفاع تكاليف الخدمات اللوجستية وضعف البنية التحتية، حيث لا يحظى سوى أقل من نصف سكانها بإمدادات كهرباء مستقرة.

وخلال النصف الأول من عام 2025، وقعت أفريقيا عقود إنشاءات مع الصين بقيمة 30.5 مليار دولار، بحسب تقرير صدر في يوليو عن جامعة غريفيث الأسترالية ومركز التمويل والتنمية الخضراء التابع لجامعة فودان في شنغهاي. هذا المبلغ يمثل خمسة أضعاف ما تحقق في الفترة نفسها من العام الماضي، كما يُعد الأعلى بين جميع المناطق المنضوية ضمن مبادرة البنية التحتية التي أطلقها الرئيس الصيني.

حلول الطاقة البديلة تدعم الصادرات الصينية
أوضح تشو مي، الباحث البارز في الأكاديمية الصينية للتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي، وهي مؤسسة بحثية تابعة لوزارة التجارة، أن "موارد الطاقة في أفريقيا لا تزال غير موزعة بشكل متكافئ، حيث تعتمد بعض الدول بشكل كبير على واردات" مثل النفط.

وأضاف أن "البدائل التي توفرها الصين، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وكذلك السيارات الكهربائية، يمكن أن تساعد الدول الأفريقية في تجاوز اختناقات الطاقة، وتشجيعها على زيادة وارداتها من الصين لتحقيق استقلالية في مجال الطاقة والتنمية الاقتصادية".

تُعد القدرة على تحمل التكاليف عاملاً آخر يصب في صالح الصين. فرغم ارتفاع الطلب، انخفضت أسعار 14 من أصل 18 سلعة صينية رئيسية تم شحنها إلى أفريقيا بين يناير ويوليو على أساس سنوي، وكان الانخفاض الأكبر في أسعار المحولات والمحولات الكهربائية بنسبة 39%.

تعزيز استخدام اليوان الصيني
تعزز الصين حضورها المالي في القارة ذات أسرع نمو سكاني في العالم، وغالباً ما يتم ذلك عبر دعم من البنوك المملوكة للدولة. ففي الأشهر الماضية فقط، قدم بنك "تشاينا ديفلوبمنت بنك" (China Development Bank) دفعة أولى من تمويل بقيمة 245 مليون يورو (286 مليون دولار) لمشروع سكك حديدية في نيجيريا، كما مدد قرضاً لدعم مشروعات بنية تحتية في مصر.

وعلى الرغم من أن غالبية السلع المستوردة من أفريقيا إلى الصين تُسعر بالدولار، فإن اتساع البصمة التجارية بين الجانبين من المرجح أن يعزز استخدام اليوان في ميزانيات الشركات والحكومات الأفريقية.

تُصنّف نيجيريا وجنوب أفريقيا ومصر ضمن أربع دول أفريقية لديها بالفعل اتفاقيات لتبادل العملات مع البنك المركزي في بكين، وتشمل هذه القائمة أيضاً موريشيوس. وفي السياق ذاته، أعلنت كينيا أنها بصدد التفاوض لتحويل جزء من قروضها المقومة بالدولار الأميركي إلى اليوان لتخفيف عبء الديون.

وأوضح ديفيد أوموجومولو، الاقتصادي المتخصص في شؤون أفريقيا لدى "كابيتال إيكونوميكس" (Capital Economics)، أن "الصين تستفيد من اتساع نطاق استخدام عملتها في النظام المالي العالمي، وهو ما يدفعها لتقديم شروط تفضيلية عند مبادلة الديون باليوان". وأضاف: "أتوقع أن تحذو الدول المثقلة بالديون تجاه الصين، مثل أنغولا، حذو كينيا في اعتماد مبادلة الديون باليوان إذا نجحت هذه الخطوة".

السلع الصينية تلقى رواجاً في أفريقيا
في المقابل، تحظى السلع الصينية التي تواجه حظراً أو اعتراضات في أسواق أخرى بترحيب ملحوظ داخل أفريقيا. فقد قفزت صادرات مكونات الحديد والصلب المستخدمة في تشييد الجسور والأبراج والسقالات بنسبة 43%.

كما ارتفعت مبيعات البطاريات بنسبة 41%، فيما سجلت صادرات المحولات والمحولات الكهربائية، بما فيها العاكسات التي تُحول الطاقة من الألواح الشمسية وأنظمة طاقة الرياح لتشغيل الأجهزة المنزلية والمعدات الصناعية، نمواً يقارب 25%.

حتى الآن، لم تصطدم الصين في أفريقيا بردود فعل سلبية كتلك التي واجهتها في دول أخرى تخشى إغراق أسواقها بالبضائع منخفضة الكلفة. غير أن هذا الاحتمال يبقى قائماً في قارة يثير قلقها أصلاً تراكم الديون تجاه بكين، لا سيما إذا بدأت الصادرات الصينية تُزاحم المنتجين المحليين.

ومع ذلك، تتعامل بكين بحذر مع هذا التوسع، مدركة أن أفريقيا تُعد مصدراً رئيسياً للسلع الأساسية وسوقاً متنامية لشركاتها، إضافة إلى كونها ساحة مركزية لطموحاتها على الصعيد العالمي.

قالت لورين جونستون، الخبيرة في الشؤون الصينية الأفريقية لدى شركة "نيو ساوث إيكونوميكس" (New South Economics) الاستشارية في ملبورن: "أفريقيا تمثل المنصة التي تُطلق من خلالها الصين شركاتها وعلاماتها التجارية إلى العالمية، حيث تكتسب الخبرة وتفتح أسواقاً جديدة وتحقق اعترافاً أكبر بعلاماتها. هذا عنصر محوري في سعي الصين لترسيخ موقعها كقائد عالمي في التنمية".