أنباء اليوم المصرية

وليد عبد الجليل يكتب - خدعتني مرآتي

-

نعم خدعتني تلك المرآة التي كنت أنظر فيها إلى صورتي كل صباح بعد أن تقوم أمي بتصفيف شعري استعداداً للذهاب إلى المدرسة.
خدعتني تلك التي كنت أنظر إليها كل صباح فأرى أحلامي الصغيرة و براءة ملامحي و إقبالي على الحياة و آثار قبلات أمي المطبوعة على جبيني وقسمات وجهي.
خدعتني و أنا أنظر إليها يومياً و أحلامي تكبر يوماً بعد يوم و ملامحي تتغير وأفكاري تنمو و العمر يمر شيئاً فشيئاً و أنا أترقبه لتتبدل الأحوال إلى الأحسن.
خدعتني و لم تخبرني أنني كبرت و كبرت معي همومي و غابت قبلات أمي و طبعت بدلاً منها الأيام تجاعيد الزمن على وجهي و خطت على الرأس شيباً كلل الشعر.
خدعتني و لم تخبرني أني سأكبر وحيداً بدون أمي و أن آثار الزمن يوماً ستحني ظهر أبي و تبدل قوته و تبدل الأحوال و تغيب كل عزيز و تشتت الجمع و تضيع الأحلام.
خدعتني و أنا أنظر إليها الآن ولم تخبرني أين ذهبت تلك الأحلام و أين و كيف مضت الأيام مسرعة كأن لم تكن أو كأنها طيف مر و لم نلحظه.
لم تخبرني أين أحلامنا أين أحباؤنا أين ذلك الطفل الصغير ذو الوجه البرئ أين و متى ذهبت تلك الأيام و كيف مر العمر كيف بدلت ذلك الوجه المدلل.
خدعتني و أنا أبحث فيها عن تلك الصورة القديمة و عن أطياف الراحلين فلا أرى إلا بقايا طفل يئن في عجل ليدرك ما تبقى من العمر وسط دوامة السنين.