أنباء اليوم المصرية

رحلة العمر بين النسيان والأمل

-

بقلم د/ محمد فكري
لاشك أنه من أشهر المقولات تفسيرًا للعمر بأنه "هو ذلك الشيء الذي كلما زاد نقص" ؛ فالعبارة تشير إلى أن الحياة رحلة عمر لا تتوقف، تحمل في مضمونها البقاء أو الرحيل، كما تحمل لمن بقى حرية الاختيار بين النسيان لما ألم به من حزن أو سعادة أو الاستمرار على أملٍ يحيا من أجله.
فمن الطبيعي أن نتخير النسيان لما ألم بنا من حزن، لكن قد يتعجب البعض القول برغبتي في نسيان بعض لحظات السعادة، أجل فقد نضطر في بعض الأحيان للبحث عن دُروبٍ نسلكها، للتخلص من تلك اللحظات، وكأننا صرنا أصحاب قلوب لم تعد تشعر بنا، أى غير قادرةٍ على الحب إن صح التعبير.
وقد يتساءل البعض منا، لما ذلك؟
فالإجابة تكمن في تعبير روبرت هينلين: الحب هو الحالة التى تصبح فيها سعادة شخص آخر مهمة من أجل سعادتك.
حقًا أنها تلك السعادة التى تروى القلب فرحًا عند سماع صوت من نحب، لذا فالسعادة ترتبط بالحب، وكأنهما صنوان، وقد أوضح أوجست كونت " أن السعادة لا تكتمل دون المشاركة". لذا فإن غابت المشاركة بين طرفي السعادة غاب الحب، وزادت المسافات دون أن يشعر أحدهما، وبدأت معها رحلة العمر في الاستمرار على أمل العودة لما سبق لكنها لم تكن كما يتخيل المُحب لكونها رحلة النسيان، فصار الاختيار من الطرفين أو أحدهما، وكأنه لا مفر منه، ليتجنبا آلام الابتعاد والفراق. مرددًا قول " إبراهيم ناجي" في الأطلال:
رُبَّمَا تَجْمَعُنَا أَقْدَارُنَا ..... ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَمَا عَزَّ ٱللِّقَاءْ
فَإِذَا أَنْكَرَ خِلٌّ خِلَّهُ .... وَتَلَاقَيْنَا لِقَاءَ ٱلْغُرَبَاءْ
وَمَضَى كُلٌّ إِلَى غَايَتِهِ ..... فلا تَقُلْ شِئْنَا، فَإِن الحظ شاء
وكأنه يُحاول إلقاء اللوم على القدر بأنه سبب الفراق، ومقتنعًا بأن الفراق نصيبه في الدنيا، ولقناعته بأن سعادته لن تكتمل إلا مع من أحبها وأسلمها فؤاده وجوارحه، رغم محاولاته إِيهام نفسه ببارقة أمل للقاء قريب.
وأخيرًا، فإن هذا التناقض بين قناعته على الفراق بينهم وتمنيه اللقاء، يزيد من حيرته وقلقه إن لم يتمكن من سماع صوتها وحديثه في الحب معها، فيشعر بآلام تكسر قلبًا متيمًا بها عاشقًا لها جسدًا استكان لها، فيكون الخيار سعادة نحيا بها فرحًا أم بؤسًا، فتمضى قاطرة الحياة وسر العشق بها محل الاختيار لكون السعادة قرار.