أنباء اليوم المصرية

إلى ابني

-
الدكتورة /رحاب أبوبكر تكتب
لن تكسرك الحياة … أريدك أن تعلم ذلك مبكرا …
لن تهزمك الظروف … لن تقتلك الدنيا … و ستخرج من كل معاركها منتصرا …
ليس لأنك الأقوى … و لكن لأن الله خلقنا كلنا … أقوي من الحياة …
و خلقها لنا فقط كوسيلة … مدرسة نتعلم فيها … نتعلم منها … و نكتشف ذاتنا ،و قوة أرواحنا بين دروب الرحلة ..
أريدك أن تعلم أنك تملك روحاً لا يعرف حدود احتمالها سوي الله … فلا تيأس أبدا … لا تفتح للاستسلام بابا … ولا تعتد … فالتعود قاتل صامت … قادر علي أن يحول المذهل إلي عادي … و قادر علي أن يحول الألم إلي طقس يومي نتقبله بسهولة … لا تقبل ذلك حبيبي … حارب … ارفض الاعتياد علي ما يؤلم روحك …
قاتل و كن متأكدا أنك ستنتصر … مهما بدت نتيجة المعركة محيرة … أو أقنعك أي شخص أنك انهزمت … كن متأكدا أن الانهزام في الحياة أمر خيالي … غير مقبول … فكل ما تظنه انهزاما ما هو إلا خطوة في طريق الانتصار الكبير … ما هو إلا درس جديد … ضربة أخري بمطرقة فنان تحول الصخرة إلي تمثال بديع الجمال … فكلنا نخلق كأحجار و تحولنا دروس الحياة الي أهرام … فكن فخورا بضربات الحياة حبيبي كن فخورا بالجروح فهي التي ستشكل شخصيتك … هي التي ستحولك من مجرد حجر آخر في صحراء الحياة إلي هرم مبهر … إلي عمل فني تسكن بداخلة روح راقية ..
فتلك الضربات ستهذب روحك و أن قتلت شيئا ستقتل الغرور … ستقتل فقط ما لا يلزم روحك ما يجب أن يُقتل حتي تخرج روحك من هذة الدنيا راضية ..
اسمح لي أن أطلعك علي سر صغير … هل تعلم لماذا كنت أضحك عندما أسمع من يقول أنها حياة واحدة ؟ لأنني حبيبي لا أؤمن بذلك … نعم أعرف أنها مدة زمنية واحدة نعيشها ثم يخطفنا الموت … و لكن اعلم أيضا بل أنني متأكدة من أننا في تلك المدة الزمنية نعيش أكثر من حياة …
و قد جربت هذا الأمر بنفسي … الطفلة الخجولة الهادئة طالبة المدرسة الألمانية تحولت إلي متمردة مشاكسة في حياة جديدة ؛بدأتها في سنوات المراهقة الأولي … غيرت جلدها عندما انتقلت للمدرسة الإنجليزية، و احترفت نطق اللغة في شهران … و تغيرت ثالثة بعد السفر وحدها في سن الخامسة عشر في رحلة قيل وقتها أنها ستجعل كل من يرغب في الزواج منها يفكر أكثر من مرة … بل ستجبره علي التراجع … و لكن كان يقف خلفي رجل يدعمني دون أن يشعر يحارب معاركي من أجلي دون أن أشعر … كان يقف خلفي "جد" لا يلقي بالا لتخاريف المجتمع … يؤمن فقط بعائلته … يدعمني … يحارب من أجلي و كأني معركتة الوحيدة … معركتة الأهم … يدعمني كأنني الشخص الوحيدالذي يستحق الدعم علي وجه الأرض … كان يشعر كل واحد منا أنه مشروعة الأهم ،بل أنه أهم شخص في الكون … كان يملك من القوة و الحب ما يملأ الدنيا بما عليها … و تغيرت أيضا عندما رحل و تركني أحارب معاركي وحدي و أنا علي مشارف العشرين … و تغيرت ثانية بعد أول مشروع زواج و مرة أخري بعد أول قصة حب … إلي أن جئت أنت إلي الدنيا و كان التغيير الأكبر … و مازلت أغير جلدي … مازلت أحيا …
حبيبي ستحاول الحياة أن تكسرك … أن تقهرك … فتلك هي وظيفتها … ستذيقك مر التعلق و الفراق … ستجبرك علي تجربة الفشل … و الرفض… القهر … الخيانة … و طعن خناجر الأصدقاء ..
و لكنها أبدا لن تهزمك … فبداخلك روح محاربة … عنيدة قد تهدأ … تتعب و لكنها أبدا لن تستسلم … فقد خلقنا كلنا هكذا … و خلقنا لنعيش أكثر من حياة في نفس فترة الزمن المكتوبة علي الجبين تحت مسمي العمر …
فأترك الفرصة للحياة لتقوم بوظيفتها … لتحاول أن ترهبك … ترهقك … دعها تلف خيوطها العنكبوتية حولك من رأسك حتي قدميك و ابتسم لأنك تعرف أنك ستنتصر … و عندما تغلق الدنيا عليك ،و تصبح كشرنقة فاجئها بروحك القوية ؛التي ستخرج من تلك الشرنقة محلقة في السماء كأجمل فراشة …
اشعر حبيبي اشعر بكل تفصيلة … لا تحاول أن توقف قدرتك علي الإحساس … مهما كان الألم تحمل … افتح أبواب مشاعرك و امتص كل لحظة … فتلك المشاعر هي التي تجبرك علي التغيير؛ هي التي تكسر أقشواك روحك … و تحولها لزهرة راقية بلا أشواك …
تمسك بقوة بكل لحظة سعادة … بكل لحظة حب … و تقبل التغيير فإنه أحد أسلحة الدنيا الحادة …
لكنه أيضا يمر … بل و يحمل معه دائما مغامرة أو مفاجئة جديدة … تقبله حبيبي و كن جاهزا له … فلا شئ يدوم إلي الأبد … و كل مرحلة حديدة من حياتك تحتاج لنوع جديد من الأسلحة ..
اعلم حبيبي أنك بديع الصنع … بديع الخلق … أنت تحفة الخالق … أجمل من شروق الشمس … أقوي من الريح و الإعصار … أكثر سحرا من البحر … فقد خلقنا الله بعد كل ذلك … كجوهرة التاج … فكن فخورا … سعيدا … واثقا أن الذي خلقك لن يتركك … و إنه لم يخلقك ليعذبك … و إنما ليهذبك …
و إذا وجدت نفسك يوما وحيدا … اعرف أن روحي ستنتظرك علي جسر ذهبي بين هذه الدنيا و الحياة التي خُلقنا لها … و سأكون فخورة بك … لأنك مشروعي الوحيد و معركتي الوحيدة..