رئيس جامعة الأزهر: مسابقة «فارس المتون» نُحيي علومًا أصيلة تميز بها علماء الأزهر والأمة عبر العصور

أكَّد فضيلة الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر، أنّ نهضة الأمم لا تقوم إلَّا على أساس من العلم والمعرفة، وأنَّ رعاية الموهوبين والمجتهدين تمثّل حجر الزاوية في أي مشروع حضاري، مشيرًا إلى أن المسابقات العلمية التي ينظّمها قطاع المعاهد الأزهرية، وفي مقدّمتها «فارس المتون»، تُجسِّد رؤية الأزهر الشريف في الاعتناء بالعقول النابهة، وتعزيز القيم العلمية واللغوية في نفوس الطلاب.
وقال رئيس جامعة الأزهر خلال كلمته في الحفل الختامي الذي أقيم اليوم الخميس بمركز الأزهر للمؤتمرات: «سعادتي كبيرة بهذه المسابقات العلمية الرفيعة التي تُقام برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقد سعدتُ بمستوى الطلاب، وما لمسناه من نبوغ وموهبة تستحق كل رعاية واحتفاء».
وأوضح فضيلته أن مسابقة «فارس المتون» ليست مجرّد حفظٍ للنصوص، بل هي إحياء لعلمٍ أصيلٍ تميّز به علماء الأمة على مرّ القرون، واعتنى به الأزهر الشريف عبر تاريخه الطويل، مؤكدًا أن الحفظ نعمة من الله تعالى، ومنهج علمي معتبر، لا يصح أن يُنعت بالذم أو السطحية كما يحاول البعض اليوم أن يصوّره.
وقال فضيلته: «هذا علمٌ ذهب أهله، ولم يعد هناك في هذا الزمان من يحفظ كما كانوا يحفظون. الحفظ في ذاته نعمةٌ من الله سبحانه وتعالى. وكان الإمام الشافعي –رحمه الله– مما أُثِرَ عنه أنّه كان يضع يده على الصفحة حتى لا يحفظها مع أختها، يحفظ صفحة صفحة، وكان آيةً في الحفظ».
وأضاف: «ومن علمائنا مَن لُقِّب بالحافظ كابن حجر، والهيثمي، والعراقي، وغيرهم كثير، ولم يكن يُطلق هذا اللقب إلّا على مَن حفظ مئة ألف حديث –بالمتن والإسناد– وهذا دليل على عمق هذا العلم وشرفه».
وأشار رئيس الجامعة إلى مقولة نقلها العالم أبو علي الفارسي عن أبي بكر السراج: «إذا لم تفهموا كلامي فاحفظوه، فإنكم إذا حفظتموه فهمتموه»، مؤكّدًا أن الطالب الصغير قد يحفظ ما لا يُدركه آنًا، لكنه كلّما تقدّم به العمر، واستنارت مداركه، عاد لما حفظه وفهمه وأتقنه، فـ«كيف نفهم إن لم نحفظ؟»
وختم فضيلة الدكتور سلامة داود كلمته بالتأكيد على أن الحفظ لا يُغني وحده، بل لا بد أن يُثمر فهمًا، ويقود إلى الإبداع والابتكار، قائلًا: «الفرق بين العالِم وحامل العلم، أن حامل العلم يحفظ، أما العالم فيُنضِج ويُضيف ويُعمّق ويبتكر ويبني على ما حفظه».
ووجّه فضيلته التحية لكل القائمين على هذه المسابقات المباركة، مشيدًا بتكامل الجهود بين قطاع المعاهد وجامعة الأزهر، متمنيًا أن تظل هذه المبادرات مناراتٍ لصناعة التفوق العلمي، وبناء جيلٍ أزهريٍّ واعٍ، راسخٍ في العلم، معتزٍّ بهويته.