رحيل «فلكي الصحراء».. وداعا عاشق الصحراء والنجوم ومعلم الأجيال

تُوفي امس فجر يوم الأحد الموافق 27 أبريل 2025، ملفي بن شرعان العريمة الحربي؛ الشهير بـ «أبو شرعان» عن عمر يناهز ال 100 عام فهو أحد أبرز روّاد علم الفلك والنجوم في الجزيرة العربية السعودية ، بعد مسيرة قاربت قرناً قضاها في براح النفود يراقب الأفلاك ويستنطق التغيرات المناخية المرتبطة بها وقد شيعت جنازته بعد صلاة عصر اليوم من جامع قبة وتم دفنه بمقابر مسقط راسه.
لم تكن وفاة ابوشرعان الحربي وفاة عاديه لدي محبيه وتلاميذه الذين تعلموا على يده علوم الفلك والنجوم
فقد أثر ذلك الرجل تأثيراً قوياً بالعديد من ألاشخاص سوا داخل المملكة أو خارجها
فلم يكن ماتعلموه على يده فقد علم الفلك والنجوم بل تعلموا منه الإنسانية والوفاء والصدق والكرم ونخوة الرجال فقد رحل بصمت حقا ولكنه ترك خلفه علم له شأن ينتفع به من بعده، ومحبين يدعون له بالرحمة والمغفرة واعظم قصة حب تروئ لاتقل عن قصص عنتر وعبله ' قيص وليلي' روميو وجوليت وغيرها من قصص الحب التي سمعنا عنها ولكن مع احترامي لكل قصص الحب فان قصة ابوشرعان وحبيبته من اقوى واعظم قصص الحب من وجهة نظري و يكفينا فخرا اننا عصرنا ذلك الرجل البسيط الطيب كريم الخلق .
فقد وُلد أبو شرعان رحمة الله عليه عام 1929 تقريباً في بادية حائل، شمال نجد في شمال غرب المملكة العربية السعودية ليعيش قرابة المائة عام حياته بالصحراء تحت الخيمة على جدران المدن؛ فلا سقف لها أعلى من نجوم السماء ولا رفيق أوفى من قطيع أغنامه التي يرعاها حياة بدائية فضلها منذ زمن بعيد عن حياة المدن بعد أن انفطر قلبه من الحزن لعدم الزواج من حبيبته وعشقه الأول والأخير
فقد تقدم ابو شرعان في شبابه للزواج من فتاة احبها بصدق وللأسف لم يحظي ذلك الرجل بالزواج من تلك الفتاة بسبب رفض أهلها بالزواج منه، فما كان عليه سوي الفرار بقلبه المكسور الي الصحراء ليقرر العيش بخيمته وحيداً رافض الزواج بغيرها ، ليظل لآخر نفس من انفاسه وفيّاً لااعظم قصيدة عشق رفضتها التقاليد قديماً، فقد زهد كل شي وفضل العيش قريباً من المكان الذي جمعه بحبيبته بالمره الأولى ،لم يستطيع مفارقة أرضها متحمل شدة الحرارة وقسوة الطقس تائه بسماء الله يراقب و يدوّن حركة النجوم على رمال الصحراء، ويردّد حكمة الأوّلين: "مَن عرف منازل القمر لم يُخطئ المطر"، فكان يربط الطوالع والفصول بأحوال المطر والحر والبرد، حتى بات مرجعاً للبدوي والحاضري، وللهواة والباحثين على حدٍ سواء.
اما عن قصة حبيبته فالكثير حاول الاستفسار عنها وسبب هجرة لحياة المدينة، والعيش بالصحراء وحيداً فكان يروي لهم قصة حبه التي لم يتوجها النصيب بالزواج دون ذكر اسم حبيبته حيث كان يغار عليها بأن يذكر اسمها أمام احد ليقول فيها (يا أم العيون السُود خوفي من الله وحبيني).
ومع فجر يوم الأحد كانت فاجعة القلب فور اعلان وفاة ابو شرعان حيث اهتزت مواقع التواصل الاجتماعي بنشر فيديوهات له تم التقاطها من قبل محبيه وتلاميذه ليترحمون عليه ويدعون الله له بحور العين بالجنه فسبحان من له الدوام فقد اصيب ابو شرعان من ثلاث سنوات بجلطة دماغية وتحسنت حالته وعاد بفضل الله للحياة ليغيب اليوم صوت رجل لم ينام
ليلةً واحدة تحت سقف بيت ولا برافهية حياة اليوم ، لينفذ امر الله بعد محاولة الأطباء في مستشفى الملك فهد التخصُّصي لاإنقاذه، إلا أن جسده النحيل استسلم عند الساعات الأولى من صباح امس ويرحل ذلك الرجل البسيط الطيب كريم الخلاق بعد أن وهبه الله بالفطرة علماً تتوارثه أجيال على مر العصور. ومن أبرز محبيه وتلاميذة الدكتور خالد الزعاق؛ الخبير الفلكي المعروف، الذي نعاه في تغريدة مؤثرة: "رحل معلّمي الأول، مَن علّمني حساب النجوم وأنا في الثالثة عشرة؛ رحم الله أبا شرعان وأسكنه فسيح جناته". وتوالت برقيات التعزية من طلابه ومحبيه، مستحضرين وقفته الشهيرة وهو يوجّههم: "انظروا إلى الثريا.. إذا غابت مع الفجر فاستعدوا للسموم!".
وبرحيل «فلكي الصحراء» تُطوى صفحة من صفحات الموروث الفلكي الشفهي في المملكة، وتخسر السماء عيناً كانت ترقبها من قلب الرمال؛ غير أنّ نجومه التي سما بها ستظل تهدي السائرين في ليل البادية، وتذكرهم بأن المعرفة تبدأ بسؤال صغير يُطرح تحت قبة السماء.
من الجدير بالذكر أن مع رحيل «فلكي الصحراء» ابو شرعان تنطوى صفحة من صفحات الموروث الفلكي الشفهي في المملكة العربية السعودية وخبير النباتات البرية،فاحياناً عدم الحصول على مانريدة يكون هو سبب نجاحنا في اشياء تفيد الغير او البشرية كلها فلو كان تزوج ابو شرعان في صغره وانجب وعاش حياة مثل اهل المدينة ماكان وصل لهذه المكانة من العلم الذي وهبه الله له وتعلم منه أجيال فرحم الله فلكي الصحراء ملفي بن شرعان العريمة الحربي؛ الشهير بـ «أبو شرعان» واسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وجعل ماتركة من علم منتفع به في ميزان حسناته وابدله الله دار خير من دارة وزوجة بحور العين.



