الخميس 25 أبريل 2024 05:59 مـ 16 شوال 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

عزيزتى البقرة ما أهنأ حياتك

كتب - محمد فاروق

يمر الإنسان فى حياته بمجموعة من المشاعر والأحاسيس المختلفة والمتفاوتة ، فبعض الوقت ربما يمرض الجسد ويضيق الرزق ويصادفنا الفشل ، وفى أوقات أخرى نشعر بالسعادة رضاءاً بما نعيشه من رغد الحياة وسلامة البدن وقوة الأمل فى غدٍ مشرق يحمل بين طياته عديد من النجاحات المنتظرة والسعادة المستقبلية والتى ربما تتحقق أو لا تتحقق، ولا يختلف هذا الوضع من إنسان لآخر إلا بنسب ولكن لابد للإنسان من المرور بهاتين الحالتين.

وقد رصد هذه الحالة أمير شعراء العرب فى عصره - والملقب بالشاعر القروى – هذه الحالة وبدأ يُعدد ما يعيشه الإنسان من متاعب الحياة ثم قام بمقارنة هزلية وإن شئت فقل فلسفية بين حياة الإنسان وما يعانيه ويلاقيه من آلام ومآسي وبين حياة البقر وما تجده من متاعب ومصاعب ، ولكن الغريب أن حياة البقر فى الغابات كانت أفضل حالاً – من وجهة نظر الشاعر – من حياة كثير من البشر ، فعقد مقارنة فى بعض الصعاب التى تقابل البقر فى الغابات والتى تقابل البشر فى الحياة فبدأ بما يلاقيه البقر من افتراس بعض الوحوش وقارن ذلك باعتداء البشر على عِرض ذويهم فكانت أنياب الوحش على البقر أكثر رحمة ورأفة من تعدى البشر على عِرض البشر فقال:

تـاللهِ كـم يـتـمـنَّى عـيشَك الـبشـــــــر

مـاذا تخـافـيـن فـي الـبـيـداء، يـا بقـرُ

إن كـنـتِ تخشـيـنَ مـن أنـيـــــــاب فَتَّاكِ

طـوبـاكِ، فـالجِلـدُ غـيرُ العِرضِ، طـوبــاكِ!

ثم اتجه الشاعر ليفتح باباً جدياً للمقارنة فبيَّن أن رزق البقر موفور فى الغابات ومهما قاست من المشي على الشوك أو الصخر فهذا أيسر كثيراً من معاناة الحاجة للآخرين والفقر الذى يعيشه البشر فقال:

سـيري الهُويـنى معًا فـي السَّهل والجـبـــلِ

الرزق حـولَكِ مـوفـورٌ، فلا تَسَلــــــــــي

يـا لـيـت لـي فـي صحـارى الجـدِّ والعـمـل

بعضَ الـذي لك، مـيسـورًا عـــــــــلى مَهَل

إن كـنـت تشكـيـن مِنْ صخرٍ وأشـــــــــواك ِ

طـوبـاك، فـالقفرُ غـيرُ الفَقـر، طـوبــاكِ!

ويعاود الشاعر القروى مقارناته بين ما يعانيه البقر فى فصل الشتاء من طقس شديد البرودة وما يعانيه البشر عندما يحيط بهم أناس دون مشاعر فيقول:

تشكـيـن فصلَ الشـتـاء الـبـارد القـاسـي؟

مـاذا أقـولُ أنـا فـي عـشـرة النـــــاس؟

نـامـي عـلى الثلج، نـامـي لـيس مـن بـاسِ

فـالثلجُ غـير فؤادٍ دون إحســــــــــــاس

وإن تكـن هـاطلاتُ الغـيث تغشــــــــــاك ِ

طـوبـاك، فـالقطرُ غـير الـدمع، طـوبــاكِ!

ينتهى شاعرنا من عقد المقارنات فى أهم ما عاناه جيل الشاعر من استعمار واضطهاد وتضييق وما يعيشه البقر من حرية فى الغابات الواسعة دون تضييق أو اضطهاد فقال:

طـوبـاكِ فـي مـربع الـحـرية الخـصــــــبِ

بـيـن الأزاهـر والأمـواه والعــــــــشبِ

لـو تعـلـمـيـن عـن الإفرنج والعــــــرب

ومـا يلاقـيـه فـي الأوطـان كل أبــــــي

مـا كـنـت تخشـيـن مـن سكِّيــــــــن سفَّاكِ

طـوبـاك، فـالـمـوتُ غـير الـذل، طـوبـاكِ!