الخميس 28 مارس 2024 01:07 مـ 18 رمضان 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

” حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحـَاسبوا ”

سُئل شخص قديمًا ما هو أصعب شيئ يحدث بداخل الإنسان ؟
رد قائلاً : مجاهدته نفسه .
نعم مجاهدة النفس هو أصعب صراع يحدث بداخل الإنسان ، صراع بين الخير والشر ، الغريزة والمغريات.
مجاهدة النفس أمر عام يحدث يوميًا مع الأشخاص ذو الضمير الحي.
تعريف معنى المجاهدة في العموم : يُعني مفاعلة من الجهد فتحا وضما، وهو الإبلاغ في الطاقة والمشقة في العمل، ويستعمل في المحاربة.
وفي عرف القوم: محاربة النفس الأمارة بالسوء بتحميلها ما يشق عليها مما هو مطلوب في الشرع.
فـ للجهاد يتمثل في أربع مراتب:

أولها: جهاد النفس.
ثانيها: جهاد الشيطان.
وثالثها: جهاد الكفار.
ورابعها: جهاد المنافقين.

والأصل والأساس والأصعب هو جهاد النفس. فإن العبد ما لم يجاهد نفسه أولاً فيبدأ بها ويلزمها بفعل ما أمرت به وترك ما نهيت عنه لم يمكنه جهاد عدوه الخارجي مع ترك العدو الداخلي، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه"
كيف يشعر الفرد أن لديه جهاد داخلي ؟
عندما يفعل خطأ علي الفور يُبادر بمحاسبة نفسه داخلياً وجهاد النفس يكمن في محاسبتها ومخالفتها.
وفي الحديث: " الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني " ومعنى: دان نفسه: حاسبها..

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم. وتزينوا للعرض الأكبر، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ }(الحاقة:18).

وقال ميمون بن مهران: ( لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبةً من الشريك لشريكه ).
ولهذا قيل: ( النفس كالشريك الخوّان إن لم تحاسبه ذهب بمالك ).

وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بعض عماله: ( حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والحسرة ).
والله لو أدرك الشخص أنه سيموت في أي لحظة ، يغشي أن يرتكب المعاصي خشيةٍ من أن يموت علي معصية ، احتسابًا لمن مات علي شيئ يبعث عليه.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: ( جهاد النفس أربع مراتب:

أحدها: أن تجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به. ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين.

الثانية: أن تجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.

الثالثة: أن تجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه. وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه، ولا ينجيه من عذاب الله.

الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله ) انتهى كلامه رحمه الله.

فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانياً حتى يعرف الحق، ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلم فذلك يدعي عظيماً في ملكوت السموات.
وفي وصية لقمان لابنه قال: ( يا بني، إن الإيمان قائد والعمل سائق والنفس حزون، فإن فتر سائقها ضلت عن الطريق، وإن فتر قائدها حزنت، فإذا اجتمعا استقامت ).
إن النفس إذا أطمعت طمعت، وإذا فوضت إليها أساءت، وإذا حملتها على أمر الله صلحت، وإذا تركت الأمر إليها فسدت، فاحذر نفسك، واتهمها على دينك، وأنزلها منزلة من لا حاجة له فيها، ولا بد له منها، وإن الحكيم يذل نفسه بالمكاره حتى تعترف بالحق، وإن الأحمق يخير نفسه في الأخلاق فما أحبت منها أحب، وما كرهت منها كره.
الأمر ليس عاديًا ولا هو بسهلٍ ، الأمر أشبه بالمحاربة الداخلية وخاصةً مع شخص ذو ضمير.
سوء الظن بالنفس :
ومما يعين على تهذيب النفس ومجاهدتها سؤ الظن بها، فإن الإنسان إذا عرف نفسه حقيقة لم يركن إليها، ولم ينقد لها، بل أساء بها الظن، وكيف يحسن الإنسان الظن بعدوٍ لدود يتربص به لينقض عليه: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} (يوسف:53).
وقد كان من وصايا الصديق رَضي الله عنه للفاروق حين استخلفه: إن أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك.
وكان ابن القيم رحمه الله يقول: لا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها، ومن أحسن الظن بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه.

ومن سُبل الإعانة على المجاهدة:
الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، والاستعانة بالصلاة.
عن ربيعة الأسلمي رضَي الله عنه قال: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: "سَلْ". فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: "أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟" قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ".

إن مجاهدة النفس باب عظيم من أبواب الخير، فإن وفق العبد فيه فاز وربح ربحًا لا خسارة بعده أبدًا، وإن عجز وغُلب خسر خسرانًا عظيمًا.

في النهاية كن علي يقين بأن الله غفور رحيم وأنه أحن عليك من نفسك
" ونحن أقرب إليه من حبل الوريد "
الله يعلم ما توسوس إليك نفسك
ويعلم أيضاً أن الإنسان ضعيف وغزيزته في الغالب هي الأمر النهائي لديه ، لذا فتح الله باب توبته والتقرب إليه ، لا تقل لقد فات الأوان ، فبالله ما دُمت حيًا فباب تقربك إلي الله مفتوح رغم كل الذنوب ، لا تدري فالله لا يرد يدٍ لاحت له بالدعاء
قال الله عز وجل:" أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه، وإن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ".
وأيضاً من الأمور التي تحثك علي المجاهدة مهما كان ذنبك محادثة الله مع إبليس عندما قال إبليس لله عز وجل
" قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ."
تخيل عظمة رد الله عز وجل عليه قال جل جلاله : " وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني. "
لا تحسب أن حَبلُك مع الله أنتهي ربما تكن هي تلك البداية ولكنك لا تدري.
بادر بالقرب الآن وكن علي يقين بأنك مُرحب دائمًا في باب رحمته ما دمت حيًا وشخص مجاهد لنفسك.