الجمعة 29 مارس 2024 12:58 مـ 19 رمضان 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

جَــــبْـرُ الخَــــــوَاطِرِ ،، نَجَـــــاةٌ مِنَ المَخـَـــاطِرِ

كتب ـ محمد عادل

الحمد لله رب العالمين وبعد :

يقول الله تعالى : (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)

اعلموا جيداً أن ﺇﻣﺎﻃﺔ ﺍﻷﺫﻯ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻭﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻻﻳﻘﻞ ﺩﺭﺟﺔ ﻋﻦ ﺇﻣﺎﻃﺔ ﺍﻷﺫﻯ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ ويا سعد من زان حياته بالرفق وأحسن إلى الخلق وتواضع لهم فى رحمة فإنما بذلك قد ملك قلوبهم .

قال ابن القيم رحمه الله :

( من رَفَقَ بعبادِ الله رَفَقَ الله به ، ومن رحِمهم رحِمه ، ومن أحسن إليهم أحسن إليه ، ومن جاد عليهم جاد الله عليه ، ومن نفعهم نفعه ، ومن سترهم ستره ، ومن منعهم خيره منعه خيره ، ومن عامل خلقه بصفةٍ عامله الله بتلك الصِّفة بعينها في الدنيا والآخرة ، فالله تعالى لعبده حسب ما يكونُ العبد لخلقه )

( وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ...)

فإن كنت مهمومًا أو تشعُر بالإحباط من مشاكل البيت والأولاد أو العمل، أو جار سيئ أو مرض أو غير ذلك،

فجرِّب الإحسان.

جرب جبر الخواطر

أعطِ محرومًا ما يُسعده

أو تصدَّق على مسكين بما يُعينه

أو عُدْ مريضًا لتُخفِّف عنه،

أو انصُر مظلومًا ورُدَّ الحق لأهله،

أو غير ذلك من أعمال الخير والإحسان، وأنت على يقين أن الله يراك، فأخلص النية والعبودية له جلَّ في عُلاه،

والله الذي لا إله إلا هو، ليجعل لك الله تعالى من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ويرزقك من حيث لا تحتسب، فالجزاء من جنس العمل، هذه سُنَّة الله في خلقه

هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ

وقديماً قالوا: "من سَارَ بينَ النَّاسِ جابرًا للخَواطرِ أدركَه اللهُ في جَوفِ المَخاطر

يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "قَدْ أَجَبْتُكَ"، فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ.

فَقَالَ: "سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ"،

فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ: آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟

فَقَالَ: "اللَّهُمَّ نَعَمْ"،

قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ: آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ: "اللَّهُمَّ نَعَمْ"، قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ: آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنْ السَّنَةِ؟ قَالَ: "اللَّهُمَّ نَعَمْ"،

قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ: آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ نَعَمْ"،

فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. رواه البخاري.

وفي رواية أخرى لمسلم

أن الرجل قال: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُنَّ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ"

لقد استدل هذا الأعرابي على الله بقدرته وإحسانه في خلق هذا الكون الفسيح وما فيه من جمال وروعة متناسقة في مخلوقاته، ثم أدرك ما عليه من واجبات وتكاليف، فأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه من أهل الجنة إن صدق في اتباعه وأحسن في عمله،

وكل عمل لا يتوفر فيه الإحسان والإتقان مردود على صاحبه.

وفي هذا الزمان تشتدُّ الحاجة إلى مواساة الناس، والتخفيف عنهم وتطييب خاطرهم؛

لأن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون، نظرًا لفساد ذِمم الناس واختلاف نواياهم،

ففي مجتمعاتنا ترى أن هذه مُعلَّقة لا هي زوجة، ولا هي مُطلَّقة،

وهذه أرملة، وذاك مسكين، وهذا يتيم، والآخر عليه ديون وفي حالة غمٍّ وهمٍّ،

وهذا لا يجد جامعةً، وذاك لا يجد وظيفة، وهذا لا يجد زوجة، أو لا يجد زواجًا،

وذاك مريض، والآخر مُبْتلًى، والهموم كثيرة

لهذانقول تطييب الخاطر لا يحتاج إلى كثير جهدٍ، ولا كبير طاقةٍ،

فربما يكفي البعض كلمةٌ مِن ذكرٍ، أو دعاء، أو موعظة،

وربما يحتاج الآخر إلى مساعدة، وينقص ذاك جاهٌ، وينتظر البعض قضاءَ حاجةٍ،

ويكتفي البعض الآخر بابتسامة،

فعلينا أن نَجتهد بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب إخواننا

يقول الإمام سفيان الثوري: “ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم

ومواقف الجبر في لحظات الانكسار لا تُنسى أبدا.

مواقف نحتاجها في لحظات الحزن الكئيب كحاجة الفجر للشمس في لحظات المغيب.

مواقف ليست لكل عابر من حياتك وانما هى لواحد فقط لم ولن تنساها له

دخلت امرأة من الأنصار على عائشة - رضي الله عنها - في حادثة الإفك ، وبكت معها كثيراً دون أن تنطق بكلمة ، فقالت عائشة : لا أنساها لها .

المواقف لاتنسى ..

عندما تاب اللهُ تعالى على كعبٍ بن مالك بعدما تخلَّف عن تبوك ؛ دخل المسجدَ مستبشرًا فقام إليه طلحةُ يُهرول ثمّ احتضنه قال كعب : لا أنساها لِـطلحة !

أحيانًا لا تحتاج سِوى مثل تلك الهرولة من أخ قريب صادق لك يخبرك أنّك لست وحدك ، بل إنّه يحزن لحزنك ويفرح لفرحك .

وليس هناك أجمل ولا أفضل من جبر خاطر العبد من ربه

ورد في صحيح مسلم أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تلا قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبراهيمَ : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } إبراهيم :36

وقال عيسى عليه السلام : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} المائدة: 118 (فرفعَ يديهِ وقال اللهمَّ ! أُمَّتي أُمَّتي وبكى . فقال اللهُ عزَّ وجلَّ : يا جبريلُ ! اذهب إلى محمدٍ، – وربُّكَ أعلمُ -، فسَلهُ ما يُبكيكَ ؟ فأتاهُ جبريلُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فسَألهُ. فأخبرهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بما قالَ . وهو أعلمُ . فقال اللهُ : يا جبريلُ ! اذهبْ إلى محمدٍ فقلْ : إنَّا سنُرضيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُكَ

الله أكبر

ويكفينا أنه كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني". سنن الترمذي

وختاماً نقول اجبروا الخواطرَ، وشاركوا المشاعرَ، واعلموا أنَّها عبادةً لا ينساها اللهُ القويُّ القاهرُ، ".

وتذكروا أنها عبادة جليلة يجازي عليها الجبار بأجور عظيمة،

ففي (صحيح مسلم)

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -عز وجل- يقول يومَ القيامة:

يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني؟ قال: يا رب كيف أعودك وأنتَ رب العالمين؟

قال: أما علمت أن عبدي فلانا مَرِضَ فلم تعده، أما علمتَ أنك لو عدتَه لوجدتني عنده؟

يا ابن آدم، استطعمتُكَ فلم تطعمني؟

قال: يا رب، وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟

قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما إنك لو أطعمته لوجدتَ ذلك عندي؟ يا ابن آدم، استستقيتك فلم تسقني،

قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟

قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيتَه وجدتَ ذلك عندي؟".

وحقاً من يرفع عن مؤمن كآبة الدنيا، ينقذه الله من مشقة الآخرة

اللهم اجبر خواطرنا بفرج قريب ومغفرة واسعة … إنك سميع قريب