الخميس 25 أبريل 2024 04:43 مـ 16 شوال 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

عَلى أعْتَاب عام هجْري جَديد

بقلم - محمد عادل

الحمد لله الرحمن الرحيم وبعد :

هَا نَحْنُ نُوَدِّعُ عَامًا هِجْرِيًّا يَمْضِي بِمَا فِيهِ مِنْ حُلْوٍ وَمُرٍّ، وَمِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ، وَمِنْ شِدَّةٍ وَرَخَاءٍ، وَسَقَمٍ وَعَافِيَةٍ، وَهَذَا مَوْلُودٌ يَفِدُ وَذاكَ مُوَدِّعٌ يَرْحَلُ، فَهَلا اعْتَبَرنَا بِمُضِيِّ الأَعْمَارِ، وَتَصَرُّمِ الأَوْقَاتِ، وَذَهَابِ الأَزْمِنَةِ وَالأَعْوَامِ، لِمَ لا يَبْكِي الْوَاحِدُ مِنَّا عَلَى عُمُرٍ فَاتَ لَمْ يَسْتَغِلَّهُ فِي طَاعَةِ اللهِ؟ وَلِمَ لا يَتَحَسَّرُ عَلَى فَوَاتِ زَمَنٍ مَضَى فِي غَيْرِ مَا يُرْضِي اللهَ؟

إِنَّ الزَّمانَ أَنْفَسُ مَا يَمْتَلِكُهُ الإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَهُوَ السَّفِينَةُ الَّتِي تَحْمِلُهُ إِمَّا إِلَى شَطِّ الْجِنَانِ، وَإِمَّا إِلَى فُوَّهَةِ الْبُرْكانِ، عِيَاذًا بِاللهِ. وَحَسْبُنَا فِي بَيَانِ مَكَانَةِ الزَّمَانِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ وَبِأَجْزَاءٍ مِنْه، وَلا يُقْسِمُ جَلَّ وَعَلا إِلا بِشَيْءٍ مُعَظَّمٍ لَدَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: ” وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

، وَقَالَ: وَالضُّحَى ، وَقَالَ:” وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ” وَقَالَ: ” وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ، وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى هَذَا شَأْنُهُ حَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يُقَدِّرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَأَنْ يَسْتَغِلَّهُ الاِسْتِغْلالَ الأَمْثَلَ الْمَحْمُودَ، وَأَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّحْظَةِ وَالْخَطْرَةِ وَالنَّفَسِ يَتَنَفَّسُهُ فِيهِ.

إِنَّ إفْناءَ الأَوْقَاتِ فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى هُوَ الْغَنِيمَةُ الْكُبْرَى، وَإِنَّ تَضْيِيعَهَا فِي اللَّهْوِ وَفِيمَا لا يَعُودُ بِطَائِلٍ هُوَ الْخَسَارَةُ الْعُظْمَى، وَابْتُلِينَا بِمَنْ لا يُقَدِّرُ لِلْعُمْرِ قَدْرَهُ، وَلا يَعْرِفُ لِلزَّمَانِ مَنْزِلَتَهُ، فَمَا بَيْنَ جَوَّالٍ وَجَوَّالٍ، وَأَجْهِزَةٍ ذَكِيَّةٍ سَلَبَتْ مِنْ عُقُولِ بَعْضِ النَّاسِ الذَّكاءَ، وَجَعَلَتْهُمْ يَعِيشُونَ في غَيْرِ عَالَمِهِمْ، وَتَتَسَاقَطُ السَّاعَاتُ مِنْ أَعْمَارِهِمْ تَسَاقُطَ قَطَرَاتِ الْمَاءِ، فَلا هُمْ بِكِتَابِ اللهِ مُشْتَغِلونَ، وَلا عَلَى كُتُبِ الْعِلْمِ عَاكِفونَ، وَتُقَامُ الصَّلاةُ وَهُمْ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ بِهَوَاتِفِهِمْ مُلْتَهونَ، هَكَذَا تَنْقَضِي أَعْمَارُهُمْ، فَهَلْ سَيُوقِظُهُمْ مُرُورُ عَامٍ وَاسْتِقْبالُ عَامٍ؟ إِنَّ الْعَادَةَ مَتَى رَسَخَتْ فِي النَّفْسِ فَهِيَ كَالشَّجَرَةِ لا تَزَالُ تَنْمُو حَتَّى يَشُقَّ اقْتِلاعُهَا، وَمَنِ اعْتَادَ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ عَلَى لَهْوِهِ بِهَذِهِ الْوَسَائِلِ الْحَدِيثَةِ كَانَ الْتِفَاتُهُ إِلَى مَرَاشِدِ الْقُرْآنِ وَمَا تُطَالِبُهُ بِهِ أُمَّتُهُ الْتِفَاتَ مَنْ يُنَادَى بِوَادٍ سَحِيقٍ، فَالْعَيْنُ عَلَى الشَّاشَاتِ لا عَلَى الآيَاتِ، وَالأُذُنُ فِي سَمَاعِ النَّغَمَاتِ لا سَمَاعِ التِّلاوَاتِ.

وخاتمة مَا أَحْوَجَنا وَنحن نودع عَامًا ونستقبل عَامًا جَدِيدًا إِلَى أَنْ نجَدِّدُ عَهْدَنا مَعَ اللهِ وَكِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ، صلى الله عليه وسلم ، فلنجنب السَّخَائِمَ وَالأَحْقَادَ مِنْ القُلُوبِ، وَنعُودُ إِلَى الْمَوَدَّةِ وَالصَّفَاءِ، وَالأُلْفَةِ وَالإِخَاءِ، وَنعطي الأُخُوَّةَ الإنسانية الإِسْلامِيَّةَ مَعْنَاهَا الصَّحِيحَ، وَنحَقِّقها فِي حَيَاتِنا عَمَلاً وَواقِعًا.

يَقُولُ الله تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَمَا أَجْمَلَ مَقُولَةَ الْفَارُوقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَمَا قَالَ: ))نَحْنُ قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللهُ بِالإِسْلامِ، فَإِذَا ابْتَغَيْنَا الْعِزَّةَ فِي غَيْرِهِ أَذَلَّنَا اللهُ)).

نسأل الله أن يجعله عام خير وبركة على مصرنا الحبيبة .