الثلاثاء 23 أبريل 2024 08:19 صـ 14 شوال 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

إتركها تأتيك


بقلم - أميرة عبد الباري

سمعت كثيرا جملة أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، سمعتها كثيرا و من إناس أكثر ، لكن لم أكن أدرك معناها أو مدي عمقها ، لكني بحثت عنها في كلام الله و سنة أنبياؤه ، فوجدت أجمل معني لها في سورة يوسف ،

قصة سيدنا يوسف كان أبوه النبي يعقوب يحبه كثيرا ،كان لديه إحدي عشر غيره لكن روحه كانت تتشوق حبا ليوسف ، أحبه لدرجة لم أستطع أن أجازف بقولها بأنه غفل بها أن الله هو المعشوق الأول و الآخر ، فأغار الله علي قلب عبده يعقوب و شاء أن يبعده عن قرة عينه يوسف عن طريق مكيدة إخوته به و أنهم صحبوه إلي الصحراء ثم عادو بقميصه الملطخ بالدماء لأنهم كانوا يشعرون أن أبيهم يفرق بينهم و يميز يوسف عنهم ،

ثم تمادي النبي يعقوب في حبه الغزير لولده يوسف و قضي حياته كلها يبكي و يبكي علي فراق إبنه و قلبه مفطور و متعلق بحبه له و ترك حياته و تبدل حاله إلي الإنعزال عن الناس و الحزن و الهم و الغم علي فراق إبنه ، وكأن الحياة ما هي إلا يوسف .. فإذا غاب تغيب الحياة ، فالله لم يرضي لقلب عبده يعقوب أن يتعلق بغيره و مضت أعوام و لم يعد يوسف لأبيه ، و ساءت أحوال النبي يعقوب أكثر و مكث يبكي و يبكي إلي أن ابيضت عيناه من كثرة البكاء ،

فنزل إليه ملك الوحي جبريل ، أذهلني بسؤاله له ، هل تعلم يا يعقوب متي عاد جدك إسماعيل إلي أبيه إبراهيم ؟ قال له جبريل عندما سمع إبراهيم لأمر ربه و أقدم علي ذبح إبنه إسماعيل و تقديمه قربانا إلي الله ، وقتها قلت لنفسي وكأن الله أراد أن يختبر حب سيدنا إبراهيم لربه و أن حبه لربه يفوق حبه لأقرب الأقربون إليه و إن كان إبنه !! إبنه !! سوف يذبح إبنه بيده !! وقتها فقط رأي الله أن إبراهيم يستحق عودة إبنه إليه و افتداه ربه بذبح كبش ،

عندها شعر يعقوب بالخجل من نفسه و قال كيف لي أن أغفل عن ذلك ، و استغفر الله ، و عاد إلي ربه ليملئ قلبه كله بحب المعشوق الأول و الآخر فخرج لأولاده و بدأ يعيش حياته و كله ثقة و حب لله الواحد الأحد ، و عندما فعل ذلك ، رأي الله أنه يستحق عودة يوسف إليه ، فتحطمت المسافات رغم بعدها و تقابل الحبيبين ،

لذا يجب أن يكون الشئ الذي سوف تتركه لله هو أغلي ما تملك و مع ذلك تتركه و تهبه لله الواحد الأحد ، عندها فقط سوف تستحق فضل الله عليك ، أنهي جبريل كلامه ليعقوب بقوله " إن لك قلب واحد و لا يتسع القلب الواحد لحبيبين " و كأنه يقول له إختر من يكون في قلبك و يملأه : ربك أم يوسف !
قلبك ملك ربك ، الله معشوقك الأول ، عندما يشعر الله بحبك هذا اعطاك ما تحبه و أرضاك ، فيارب أعد لكل يعقوب يوسف قلبه ، القلب ! ياالله علي القلب ، الذي لا يسمع لنا كلمة و لا ينفذ لنا قرار ، لذلك كان يقول النبي ربي لا تلمني بما لا أملك و كان يقصد قلبه ، لأننا لن نستطع السيطرة عليه وتلقينه من يحب ومن يكره .